ســر الهـاربة ...
انسابت المياه الصافية فى النهر الهادئ ، تعكس على صفحتها وجه القمر المكتمل الذى أضفى على المياه لونا فضيا رائعا .. يمر بين صفين من الأشجار على شاطئيه ، كأنهم حراس أشداء يقفون ليل نهار يستمتعون بالنظر الى مياهه العذبة .. ويحرسونه لقيمته وضرورته التى خلقها الله نفعا وسرا للحياة ...
وعلى احدى ضفتيه .. كان هناك منزلا صغيرا .. يبدو جميل الشكل بتصميمه الرائع الذى يدل على ذوق صاحبه الفنان .. كان يسبح فى الظلام الا من نافذة واحدة كان ينبعث منها ضوءا خافتا ، يغرى من يراه بحب الاستطلاع ..
كان الهدوء يلف المكان ، فيضفى عليه بما يحيطه من طبيعة جميلة .. هيبة ووقارا .. كرجل وسيم فى منتصف العمر ، أحسن اختيار ملابسه الأنيقة ، وتعطر بأفضل العطور .. ووقف فى صمت ووقار يتأمل جمال النهر وهو ينساب على البساط الأخضر فى رقة ودلال ...
فارس .. هذا هو أسم صاحب المنزل .. أخذ جانبا من قاعة الاستقبال ، التى حوت أثاثا كلاسيكيا جذابا بتصميمه وألوانه ورقة اختياره .. فجلس وحيدا فى أحد الأركان وبجواره مصباحا خافتا على طاولة صغيرة .. عليها منفضة سجائر من الكرستال النادر .. تحوى بعضا من بقايا السجائر التى أطفأها فارس خلال جلسته ذاك المساء ..
جلس فارس مسترخيا على كرسيه الوثير .. وقد أشعل لتوه سيجاره الفاخر يجذب منه نفسا عميقا ، ثم ينفثه فى الهواء .. ويتابع حلقات الدخان وهى تصعد هادئة الى أعلى قبل أن تذوب وتختفى فى سقف القاعة .. وكان قد ترك باب المنزل مفتوحا ليستمتع بالهواء المنعش القادم من النهر القريب ..
انبعثت الموسيقى الهادئة من أحد الأركان التى وضع فيها فارس جهاز تشغيل الاسطوانات التى اختارها بعناية فائقة .. ترتبط معظمها بذكرياته الجميلة التى يحب أن يسترجعها من آن لآخر فى ظل هذا الجو الرومانسى الرائع .. وأخذ يرجع برأسه الى الخلف حتى تستلقى على المسند الوثير العالى .. فيغمض عينيه متمتعا بذكرياته .. وخياله الواسع ، دون أن ينغص عليه وحدته أحد ممن لا يملكون مشاعر الرومانسية الراقية التى كان يعشقها ..
تسللت بخفة الفهود ورشاقة الغزالان عبر مدخل المنزل .. واقتربت من فارس دون أن يشعر .. ثم ألقت عليه تحية المساء ..
فتح فارس عينيه مندهشا من المفاجأة .. فاذا به فجأة أمام ملاك رائع الجمال ، وكأنما هبط عليه من السماء دون تنبيه أو انذار .. لم يصدق عيناه فى بادئ الأمر من المفاجأة .. ولكنه أدرك أنها حقيقة .. فنظر اليها متأملا ، مستفسرا ولكنها كانت على قدر من الزكاء .. ورأت فى عينيه العديد من التساؤلات المتوقعة .. فبادرته بتقديم نفسها اليه باسم وعنوان مستعار ، وأنها تقيم فى مزرعة مجاورة وتعمل لدى احدى الشركات السياحية .. وسألته عن امكانية الاستفادة من خدمات تلك الشركة ..
كان من الواضح أن حب الاستطلاع هو الذى دفعها الى اقتحام دنيا هذا الرجل الغامض .. وربما جذبها بحياته الرومانسية التى تهواها .. دون أن تقصد ، فأقتحمت عليه هدوءه وخلوته .. بهذه الطريقة .. وان كان هذا مجرد احتمالات لم تفصح هى عنها حتى اللحظة ..
لم تكن تتوقع أن يفاجئها فارس بالعديد من الأسئلة عن نفسها وليس عن شركتها أو الخدمات التى تقدمها .. فأرتبكت ، وأرادت أن تعتذر عن الازعاج وتستدير مسرعة بالهرب نحو الباب .. ولكن فارس كان أسرع منها .. فقفذ وراءها ، واستطاع أن يمسك بيدها بعد أن بلغت باب المنزل .. وأبلغها أنه لن يتركها تنصرف قبل أن يعرف الحقيقة ، ولماذا اقتحمت عليه عالمه .. وشرفته بهذه الزيارة الغريبة .. فلما لاحظت اصراره .. وشعرت أنها أصبحت أسيرة بين يديه ، وعدته بأن تكشف عن شخصيتها ، وسبب زيارتها .. فدعاها للدخول الى عالم الرومانسية .. وقبلت الدعوة ...
جلست على الكرسى الوثير بالجانب الآخر من الطاولة التى كان يجلس بجوارها .. وبينهما هذا المصباح الخافت ، يستمعان معا الى الموسيقى الهادئة التى أضفت على جلستهما سحرا خاصا ، لا يتذوقه الا من يعرفه ويعشقه ... سحب سيجارا من العلبة الفاخرة الموضوعة بجواره .. وقدمه اليها .. فمدت أصابعها الرقيقة وتناولته ، ثم أشعل لها السيجار ، فأتاح له ذلك أن يقترب منها ويشم رائحة عطرها الساحر الذى أوحى له بأنه قريب من باب الجنة ...
أفصحت له عن شخصيتها .. ولكن لم تخبره عن سبب الزيارة ، وأرجأت ذلك الى وقت لاحق من هذه الجلسة .. ثم بدأت تتحدث عن نفسها ، فاذا بها تحمل كافة الصفات التى كان يحلم بها دائما ، دون أن ينالها .. ويا لفلسفة القدر ..
كان ذلك دافعا لأن يتحدث عن نفسه أيضا .. فأكتشفا معا أنهما كيان واحد فى جسدين منفصلين ، ولكنهما يحملان نسخة واحدة من المشاعر والأحاسيس والعقل .. بل ويكملان صفات بعضهما بعضا ..
تبادلا الحديث فى العديد من الموضوعات .. وكانا متفقان تماما فى وجهات نظرهما .. ولم يختلفا فى شيئ يذكر ، وكان الحديث بينهما شيقا وممتعا الى أقصى حد .. حتى أنهما لم يتوقفا لحظة واحدة عن الحديث .. بل كان كل منهما يحملق باعجاب فى عيون الآخر ، منبهرا ومستمتعا بحديثه .. راجيا منه الاستمرار ، ومتشوقا أن يصل الى نهاية الحديث دون أن يدرك مراده ..
أحس كل منهما بسعادة غامرة .. وأدركا أنهما كانا يعيشان فى فراغ كبير وفى عالم غير عالمهما .. وكان لكل منهما معاناته ومشاكله .. فكانت هذه الجلسة بمثابة الهروب من ذلك العالم المزعج الى عالم التوحد والانصهار، من عالم الخلاف الى الاتفاق ، من الصراع الى المتعة ، ومن الوحدة القاسية فى العالم المزدحم بالغوغاء الى الصحبة الجميلة الهادئة .. ومن الضياع الى الأمان والاستقرار ، ومنح كل منهما السعادة والراحة النفسية الى الآخر .. وأحسا بأنهما كانا يسيران فى صحراء قاحلة تحت وهج الشمس الحارق .. وفجأة ظهر كل منهما للآخر .. حاملا بيده أبريقا من الرحيق البارد .. فأخذا يرتويان منه بجنون ودون وعى ..
مرت الساعات .. وكأنها لحظات أو دقائق .. كان حلما رائعا يتمنيان ألا يفيقا منه ، وكان كل منهما يشعر بلذة وطعم هذا الشراب الذى أخذ كل منهما يقدمه لأخر ، فينهل منه دون أن يشعر بالارتواء ..
اقترب الفجر .. وشعر فارس بنسيمه العليل الذى يحمل معه عبير الزهور المحيطة بالمنزل .. فأكتمل الجو الرومانسى ، وأراد فارس أن يسجل هذه اللحظات فى داخله .. فأسند رأسه الى الخلف ، وأغلق عيناه ، وكأنه يريد أن يحبس بداخلهما صورة الملاك الجالس بجانبه ، وأن يترك لخياله مزيدا من العنان للاحساس بالمتعة التى شعر بها للمرة الأولى فى حياته ..
وعندما فتح عيناه ملتفتا الى جليسته .. كانت الصدمة ، لم يجدها .. أختفت دون أن يشعر بأنصرافها .. لم يصدق ، التفت حوله كلمجنون باحثا عنها .. ثم استجمع انتباهه ، وقفذ من مكانه يبحث فى أرجاء المكان ، آملا أن يكون اختفاؤها نوعا من المداعبة .. ولكنه لم يجدها .. فخرج مسرعا من المنزل ، فاذا بها فى قارب صغير تعبر به النهر الهادئ الى الضفة الأخرى ، ملوحة له بالوداع .. فظل واقفا مشدوها ينظر اليها .. غير مصدق أنه قد أستيقظ من حلمه بهذه السرعة .. ولا يعرف كيف يستردها بعد أن ظن أنه قد أمتلكها الى ألأبد ..
ظل ينظر اليها غير مصدق .. حتى اختفت فى ظلمات النهر الى الضفة الأخرى .. وتركته حائرا ، مستشعرا الوحدة مرة أخرى ، عاد لآلامه وأحزانه ومعاناته .. انصرفت وبيدها أكسير الحياة قبل أن يصل معها الى حد الارتواء ، فاستسلم للأمر الواقع واستدار عائدا الى منزله يجر قدميه جرا .. ويسير متساقلا حالما بأن يسمع صوتها الرقيق يناديه .. لكنه كان وهما وأملا ضائعا .. ودربا من دروب المستحيل ، فقد هربت منه !!!
وصل الى كرسيه .. والقى بنفسه جالسا فى حالة من اليأس والضياع ، أشعل سيجارا ، وأخذ يجذب الأنفاس منه ويخرجها فى حالة عصبية بالغة .. متسائلا .. لماذا هربت ، هل كان منى مايغضبها ؟ وأخذ يحاسب نفسه ، فلم يجد تفسيرا لذلك .. تصارعت بداخله الأسئلة ، حتى شعر بالتعب والصداع ، فأطفأ سيجاره ، والقى براسه الى الخلف فى حالة من الاعياء الشديد .. بعد أن طاف بصحبتها فى عالم الرومانسية الحالمة .. ثم هربت بسرها دون أن تفصح عن السبب الحقيقى لزيارها .. وفجأة تنهد تنهيدة عميقة ، خرجت من صدره مشتعلة .. وهو يسأل نفسه حائرا ..
لماذا جئت لزيارتى ؟ ثم ذهبت فجأة بلا عودة ؟
مرددا .. منك لله .. وراح فى سبات عميق ..........
انسابت المياه الصافية فى النهر الهادئ ، تعكس على صفحتها وجه القمر المكتمل الذى أضفى على المياه لونا فضيا رائعا .. يمر بين صفين من الأشجار على شاطئيه ، كأنهم حراس أشداء يقفون ليل نهار يستمتعون بالنظر الى مياهه العذبة .. ويحرسونه لقيمته وضرورته التى خلقها الله نفعا وسرا للحياة ...
وعلى احدى ضفتيه .. كان هناك منزلا صغيرا .. يبدو جميل الشكل بتصميمه الرائع الذى يدل على ذوق صاحبه الفنان .. كان يسبح فى الظلام الا من نافذة واحدة كان ينبعث منها ضوءا خافتا ، يغرى من يراه بحب الاستطلاع ..
كان الهدوء يلف المكان ، فيضفى عليه بما يحيطه من طبيعة جميلة .. هيبة ووقارا .. كرجل وسيم فى منتصف العمر ، أحسن اختيار ملابسه الأنيقة ، وتعطر بأفضل العطور .. ووقف فى صمت ووقار يتأمل جمال النهر وهو ينساب على البساط الأخضر فى رقة ودلال ...
فارس .. هذا هو أسم صاحب المنزل .. أخذ جانبا من قاعة الاستقبال ، التى حوت أثاثا كلاسيكيا جذابا بتصميمه وألوانه ورقة اختياره .. فجلس وحيدا فى أحد الأركان وبجواره مصباحا خافتا على طاولة صغيرة .. عليها منفضة سجائر من الكرستال النادر .. تحوى بعضا من بقايا السجائر التى أطفأها فارس خلال جلسته ذاك المساء ..
جلس فارس مسترخيا على كرسيه الوثير .. وقد أشعل لتوه سيجاره الفاخر يجذب منه نفسا عميقا ، ثم ينفثه فى الهواء .. ويتابع حلقات الدخان وهى تصعد هادئة الى أعلى قبل أن تذوب وتختفى فى سقف القاعة .. وكان قد ترك باب المنزل مفتوحا ليستمتع بالهواء المنعش القادم من النهر القريب ..
انبعثت الموسيقى الهادئة من أحد الأركان التى وضع فيها فارس جهاز تشغيل الاسطوانات التى اختارها بعناية فائقة .. ترتبط معظمها بذكرياته الجميلة التى يحب أن يسترجعها من آن لآخر فى ظل هذا الجو الرومانسى الرائع .. وأخذ يرجع برأسه الى الخلف حتى تستلقى على المسند الوثير العالى .. فيغمض عينيه متمتعا بذكرياته .. وخياله الواسع ، دون أن ينغص عليه وحدته أحد ممن لا يملكون مشاعر الرومانسية الراقية التى كان يعشقها ..
تسللت بخفة الفهود ورشاقة الغزالان عبر مدخل المنزل .. واقتربت من فارس دون أن يشعر .. ثم ألقت عليه تحية المساء ..
فتح فارس عينيه مندهشا من المفاجأة .. فاذا به فجأة أمام ملاك رائع الجمال ، وكأنما هبط عليه من السماء دون تنبيه أو انذار .. لم يصدق عيناه فى بادئ الأمر من المفاجأة .. ولكنه أدرك أنها حقيقة .. فنظر اليها متأملا ، مستفسرا ولكنها كانت على قدر من الزكاء .. ورأت فى عينيه العديد من التساؤلات المتوقعة .. فبادرته بتقديم نفسها اليه باسم وعنوان مستعار ، وأنها تقيم فى مزرعة مجاورة وتعمل لدى احدى الشركات السياحية .. وسألته عن امكانية الاستفادة من خدمات تلك الشركة ..
كان من الواضح أن حب الاستطلاع هو الذى دفعها الى اقتحام دنيا هذا الرجل الغامض .. وربما جذبها بحياته الرومانسية التى تهواها .. دون أن تقصد ، فأقتحمت عليه هدوءه وخلوته .. بهذه الطريقة .. وان كان هذا مجرد احتمالات لم تفصح هى عنها حتى اللحظة ..
لم تكن تتوقع أن يفاجئها فارس بالعديد من الأسئلة عن نفسها وليس عن شركتها أو الخدمات التى تقدمها .. فأرتبكت ، وأرادت أن تعتذر عن الازعاج وتستدير مسرعة بالهرب نحو الباب .. ولكن فارس كان أسرع منها .. فقفذ وراءها ، واستطاع أن يمسك بيدها بعد أن بلغت باب المنزل .. وأبلغها أنه لن يتركها تنصرف قبل أن يعرف الحقيقة ، ولماذا اقتحمت عليه عالمه .. وشرفته بهذه الزيارة الغريبة .. فلما لاحظت اصراره .. وشعرت أنها أصبحت أسيرة بين يديه ، وعدته بأن تكشف عن شخصيتها ، وسبب زيارتها .. فدعاها للدخول الى عالم الرومانسية .. وقبلت الدعوة ...
جلست على الكرسى الوثير بالجانب الآخر من الطاولة التى كان يجلس بجوارها .. وبينهما هذا المصباح الخافت ، يستمعان معا الى الموسيقى الهادئة التى أضفت على جلستهما سحرا خاصا ، لا يتذوقه الا من يعرفه ويعشقه ... سحب سيجارا من العلبة الفاخرة الموضوعة بجواره .. وقدمه اليها .. فمدت أصابعها الرقيقة وتناولته ، ثم أشعل لها السيجار ، فأتاح له ذلك أن يقترب منها ويشم رائحة عطرها الساحر الذى أوحى له بأنه قريب من باب الجنة ...
أفصحت له عن شخصيتها .. ولكن لم تخبره عن سبب الزيارة ، وأرجأت ذلك الى وقت لاحق من هذه الجلسة .. ثم بدأت تتحدث عن نفسها ، فاذا بها تحمل كافة الصفات التى كان يحلم بها دائما ، دون أن ينالها .. ويا لفلسفة القدر ..
كان ذلك دافعا لأن يتحدث عن نفسه أيضا .. فأكتشفا معا أنهما كيان واحد فى جسدين منفصلين ، ولكنهما يحملان نسخة واحدة من المشاعر والأحاسيس والعقل .. بل ويكملان صفات بعضهما بعضا ..
تبادلا الحديث فى العديد من الموضوعات .. وكانا متفقان تماما فى وجهات نظرهما .. ولم يختلفا فى شيئ يذكر ، وكان الحديث بينهما شيقا وممتعا الى أقصى حد .. حتى أنهما لم يتوقفا لحظة واحدة عن الحديث .. بل كان كل منهما يحملق باعجاب فى عيون الآخر ، منبهرا ومستمتعا بحديثه .. راجيا منه الاستمرار ، ومتشوقا أن يصل الى نهاية الحديث دون أن يدرك مراده ..
أحس كل منهما بسعادة غامرة .. وأدركا أنهما كانا يعيشان فى فراغ كبير وفى عالم غير عالمهما .. وكان لكل منهما معاناته ومشاكله .. فكانت هذه الجلسة بمثابة الهروب من ذلك العالم المزعج الى عالم التوحد والانصهار، من عالم الخلاف الى الاتفاق ، من الصراع الى المتعة ، ومن الوحدة القاسية فى العالم المزدحم بالغوغاء الى الصحبة الجميلة الهادئة .. ومن الضياع الى الأمان والاستقرار ، ومنح كل منهما السعادة والراحة النفسية الى الآخر .. وأحسا بأنهما كانا يسيران فى صحراء قاحلة تحت وهج الشمس الحارق .. وفجأة ظهر كل منهما للآخر .. حاملا بيده أبريقا من الرحيق البارد .. فأخذا يرتويان منه بجنون ودون وعى ..
مرت الساعات .. وكأنها لحظات أو دقائق .. كان حلما رائعا يتمنيان ألا يفيقا منه ، وكان كل منهما يشعر بلذة وطعم هذا الشراب الذى أخذ كل منهما يقدمه لأخر ، فينهل منه دون أن يشعر بالارتواء ..
اقترب الفجر .. وشعر فارس بنسيمه العليل الذى يحمل معه عبير الزهور المحيطة بالمنزل .. فأكتمل الجو الرومانسى ، وأراد فارس أن يسجل هذه اللحظات فى داخله .. فأسند رأسه الى الخلف ، وأغلق عيناه ، وكأنه يريد أن يحبس بداخلهما صورة الملاك الجالس بجانبه ، وأن يترك لخياله مزيدا من العنان للاحساس بالمتعة التى شعر بها للمرة الأولى فى حياته ..
وعندما فتح عيناه ملتفتا الى جليسته .. كانت الصدمة ، لم يجدها .. أختفت دون أن يشعر بأنصرافها .. لم يصدق ، التفت حوله كلمجنون باحثا عنها .. ثم استجمع انتباهه ، وقفذ من مكانه يبحث فى أرجاء المكان ، آملا أن يكون اختفاؤها نوعا من المداعبة .. ولكنه لم يجدها .. فخرج مسرعا من المنزل ، فاذا بها فى قارب صغير تعبر به النهر الهادئ الى الضفة الأخرى ، ملوحة له بالوداع .. فظل واقفا مشدوها ينظر اليها .. غير مصدق أنه قد أستيقظ من حلمه بهذه السرعة .. ولا يعرف كيف يستردها بعد أن ظن أنه قد أمتلكها الى ألأبد ..
ظل ينظر اليها غير مصدق .. حتى اختفت فى ظلمات النهر الى الضفة الأخرى .. وتركته حائرا ، مستشعرا الوحدة مرة أخرى ، عاد لآلامه وأحزانه ومعاناته .. انصرفت وبيدها أكسير الحياة قبل أن يصل معها الى حد الارتواء ، فاستسلم للأمر الواقع واستدار عائدا الى منزله يجر قدميه جرا .. ويسير متساقلا حالما بأن يسمع صوتها الرقيق يناديه .. لكنه كان وهما وأملا ضائعا .. ودربا من دروب المستحيل ، فقد هربت منه !!!
وصل الى كرسيه .. والقى بنفسه جالسا فى حالة من اليأس والضياع ، أشعل سيجارا ، وأخذ يجذب الأنفاس منه ويخرجها فى حالة عصبية بالغة .. متسائلا .. لماذا هربت ، هل كان منى مايغضبها ؟ وأخذ يحاسب نفسه ، فلم يجد تفسيرا لذلك .. تصارعت بداخله الأسئلة ، حتى شعر بالتعب والصداع ، فأطفأ سيجاره ، والقى براسه الى الخلف فى حالة من الاعياء الشديد .. بعد أن طاف بصحبتها فى عالم الرومانسية الحالمة .. ثم هربت بسرها دون أن تفصح عن السبب الحقيقى لزيارها .. وفجأة تنهد تنهيدة عميقة ، خرجت من صدره مشتعلة .. وهو يسأل نفسه حائرا ..
لماذا جئت لزيارتى ؟ ثم ذهبت فجأة بلا عودة ؟
مرددا .. منك لله .. وراح فى سبات عميق ..........
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق