الاثنين، 28 أبريل 2008

سمو الأميرة


سمو الأميرة ...

كان ياما كان فى سالف العصر والأوان ..
ملك عظيم الجاه والسلطان ..
كان يدعى الملك نعمان ..
وكان الملك يقيم فى قصر حصين محاط بأسوار عالية ..
ولم يكن له من الأولاد سوى بنت واحدة ..
كانت رائعة الجمال ..
عجز عن وصفها الشعراء ..
وعن رسمها أى فنان ..
***

كانت الأميرة تقيم فى جناح خاص من القصر ..
ويسهر على حراستها أقوى الفرسان وأمهرهم ..
وفى يوم من الأيام ..
مرضت الأميرة !!!
وبمرضها .... أوقعت الملك فى الحزن والحيرة ..
فقد كانت تقضى الليل سهرانة ..
تبدو حزينة .. حيرانة ..
تتساقط الدموع على وجنتيها ..
وأصاب الاحمرار والأرق عينيها ..
لا تتكلم مع أحد ..
وليس لحزنها أمد ..
ولا تشكو من ألم أو داء ..
وليس لها فى الدنيا رجاء ..
وامتنعت عن الطعام ..
حتى أضحت لا تقوى على الكلام ..
***

جن جنون الملك .. وأستدعى وزرائه ومستشاريه ..
وطلب منهم أن يجدو له حلا لمرض الأميرة ..
والبحث عن طبيب خبير ..
يحدد الداء .. ويصف الدواء ..
وبدأ البحث عن الطبيب ..
***
قمر الزمان ..

كان هذا أسم الأميرة ..
بعد أن أصدر الملك أوامره للبحث عن الطبيب ..
أخذت المملكة كلها تبحث عن الطبيب حبا فى الأميرة ..
وفى أحد الأطراف النائية من المملكة ..
كان هناك كوخ صغير .. يقطنه رجل مسن ..
له وجه مشرق .. تزينه لحية طويلة بيضاء ، كبياض الثلج ..
لم يكن يملك من الدنيا سوى الحكمة والخبرة وطيب المعشر ..
فذهبوا اليه وسألوه عن طبيب ..
فسألهم عن السبب ..
فقصوا عليه حكاية الأميرة المريضة ..
فأخبرهم بأنه على استعداد لعلاجها ...
***

جمع الطبيب كتبه ، وأعشابه ، وأدواته ..
وذهب معهم الى قصر الملك ..
وما أن مثل أمام الملك حتى سأله :
" هل أنت قادر على علاج الأميرة ؟؟
فأجابه الطبيب الحكيم : بمشيئة الله يامولاى ..
فقال الملك : اذن أنت ضيفى فى هذا القصر ،
ولن تخرج منه الا فى حالتين ..
اما أن تعالج الأميرة .. أو أقطع رأسك ، فتخرج محمولا على محفة الموتى ..
فقال الحكيم الطبيب : توكلت على الله الشافى ..
فقال له الملك : لى شرط آخر .. وهو أن تعالج الأميرة من خلف ساتر ..
فلن تراها ..
فوافق الحكيم على شرط الملك ..
ولكنه طلب منه أن يعطيه الوقت الكافى حتى ينتهى من العلاج ..
فوافق الملك ..
واتفق الحكيم الطبيب على أن يبدأ أولى جلسات العلاج ..
اعتبارا من مساء نفس اليوم ..
***

قام الحرس باصطحاب الطبيب الى جناح الأميرة ..
كانت غرفة الأميرة بالغة الجمال والفخامة والرقة ..
يلفها الهدوء .. وينبعث من أركانها رائحة البخور الرائع ..
وكان يتوسطها فراش يرتفع عن الأرض قليلا .. ليعطيه هيبة وعظمة ..
كان قد أسدل حول الفراش ستارة من الحرير ذات اللون الأرجوانى ..
مطعم بحبات الذهب والماس ..
وظهر من خلف الستائر .. ضوء ضعيف باهت .. لا يظهر أى معالم فى الفراش ..
سوى خيال ضعيف يدل على وجود الأميرة مستلقية فى فراشها ..
وقد وضع بجوار الفراش كرسى وثير .. خصص للطبيب ..
فجلس الطبيب الحكيم .. وطلب اخلاء المكان من الجميع ..
فأطاعوا .. وانصرفوا على الفور ..
كان الجو العام للمكان بهدوئه واضاءته الخافتة يوحى بحرية الخيال ..
وانطلاقه الى اللانهائية ..
وبعد برهة من الصمت .. تحدث الطبيب ..
وكان صوته هادئا رخيما .. متزنا .. مفعما بالحنان ..
وكانت نبرة صوته تحمل كل معان الأمان ، والاطمئنان .. والحب ..
قال :
يا بنيتى .. ها أنا معك وحيدا ..
لا يرانا ولا يشهد علينا الا الله ..
وقد جئت من أجل شيئ واحد فقط ..
هو أن أسمعك .. ولن أقاطعك .. فتحدثى كما تشائين .. وبما تريدين ..
ولن تشعرى بوجودى وكأنك تتحدثين مع نفسك ..
وأعاهدك على أن كل ما يدور هنا .. هو أمانة فى عنقى أمام الله ..
ولن يعلم به انسان سوانا .. حتى لو قطعوا رأسى ..
تحدثى الى نفسك بصوت مسموع ..
ولن أغادر القصر حتى تتحدثى فى كل ما ترغبين ..
ولن أغادر القصر حتى تأذنين لى بالانصراف ..
واعلمى يابنيتى .. أننى عانيت الظلم كثيرا ..
سواء من البشر .. أو من الحياة ..
ولن أرضاه لك .. أو لأى انسان ..
وجلس فى صمت كامل ..
وفى سكون العابد ..
لا يكاد الانسان أن يسمع الا دقات قلب ضعيف ..
قلب الأميرة ..
ودقات قلب ملؤها الحنان والحب .. قلب الطبيب ..
مرت لحظات ..
ثم جاء من الفراش .. صوت رقيق .. رقة الفراشة ..
ناعم .. كنعومة الحرير ..
حلوا .. كأنه عزف الناى الحزين ..
وبرغم ما يعترى الأميرة من ضعف .. ووهن .. وحزن ..
الا أن ذلك لم ينتقص من عذوبة صوتها .. ورقته ..
فكان كعزف ملائكى .. حالم ..
انبعث كنسمات رقيقة .. داعبت أوراق الشجر ..
جاء من بعيد .. وتسلسل فى الظلام ..
فأضفى على المكان جوا من الرومانسية الطاغية ..
وبدأ الكلام ...

بدأت الأميرة فى الحديث .. وكان الطبيب آذانا صاغية ..
لم يقاطعها .. بل لم يشعرها حتى بوجوده ..
لم يمل حديثها ..
شعر بأن هذه الأميرة المحاطة بالجاه والسلطان ، والحرس ، والقصر العالى ..
ماهى الا انسانة .. تحمل قلبا رقيقا .. وحسا مرهفا ..
وعذوبة لا مثيل لها ..
لها مشاعر فنان ، ورقة تفوق الفراشة ،
تتحدث بالمنطق قبل الخيال .. وبالأمل قبل اليأس ..
وبالحب دون الكره .. قلبها كبير رقم صغره ..
لقد أضفت على هذه الجلسة .. جوا من الحنان والعذوبة والشاعرية المطلقة ..

استمرت الجلسات .. ليلة بعد ليلة ..
وأفرغت كل مافى صدرها من شجون وأحاسيس ..
وكانت كلما استطردت الحديث .. شعرت ببعض التحسن النفسى ..
وبدأت تسأل عن الطعام والشراب ..
وبدأ الدم يتدفق فى عروقها ، فبدأت تخرج من فراشها أحيانا ..
وتتحرك فى أنحاء الغرفة من آن لآخر .. بثيابها الفضفاضة .. وألوان جذابة ..
وكأنها فراشة أحسن الخالق تصويرها .. تسر الناظرين ..
رغم الاضاءة الخافتة التى لا تظهر ملامحها الحسناء ..
وشعر الطبيب بتحسن ملحوظ فى نبرات صوتها ..
وميلها الى الكلمات الباسمة أحيانا ..
وانعكس التطور النفسى الذى طرأ عليها بالسعادة والراحة على الطبيب ..
حتى أنه بدأ يتوق متشوقا الى جلساتها .. والاستماع اليها ..

شعر الطبيب بأن جلسات الأميرة أصبحت بالنسبة له ..
كنسمات رقيقة تلفح قلبه العجوز النائم منذ سنوات ..
فتنعشه .. وتعيد اليه شيئ من شبابه ..
وكان قد أحس قبل ذلك أن زمنه قد ولى ..
وأنه أصبح فى نهاية الطريق ..
ولكن قلبه أخذ ينبض بالعاطفة من جديد ..
لقد أحب فيها الأمل ..

ذات مساء .. أخبرته الأميرة أن حديثها قد انتهى ..
فوعدها خيرا .. وأوصاها بألا تتخلى عن الأمل .. فهو سر الحياة ..
وامتدح فيها جميل الصفات ..
فأحست بنبض الحياة من حولها .. وشعرت بفرحة داخلية لا تعرف مصدرها ..

طلب الطبيب مقابلة الملك نعمان .. فحدد له موعدا ..
وكان الملك قد علم ممن يحيطون بالأميرة ، بما طرأ عليها من تحسن طفيف ..
فشجعه ذلك على منح الطبيب فرصته للعلاج ..

وفى الموعد المحدد .. جلس الطبيب الى الملك .. ودار بينهما هذا الحوار ..
* : يا مولاى .. هل تحب ابنتك ؟
* : هى كل حياتى .. هى أغلى من نور عيناى ..
* : هل أنت على استعداد لشراء الدواء الذى يشفيها مهما كان ثمنه ..؟
* : ( دون تردد ) نعم .. ولماذا أحضرتك ..!!
* : دواء ابنتك يامولاى .. أسمه " الفارس مهران " .
* : ( تعجب الملك .. وطلب منه الايضاح " ..
* : الفارس " مهران " .. هو فارس شجاع .. كان يحرس الأميرة ، عندما كانت تخرج للنزهة فى الغابة .. وفى حدائق القصر .. وكان يخاف عليها ويحميها من أى خطر .. ولم تشعر بالخوف لحظة وهى فى صحبته ..
رأت فيه الأميرة مصدرا للأمان .. وفى خوفه عليها .. قمة الحنان ..
ولمست فيه صفات الشهامة والرجولة .. والشجاعة ..
وكان خجولا فى مواجهتها .. ولم يرفع عينيه اليها وهو يحادثها ..
حرصا على مشاعرها الرقيقة .. وحفظا لثقتك فيه ..
وكان أهلا للأمانة التى حفظها ...
فرأت فيه الأميرة فارس أحلامها ..
كان يرعاها .. ويحافظ عليها .. دون يقترب منها أو يسبب لها حرجا ..
رأت فى عينيه مرات قليلة .. وبالمصادفة .. معان جميلة وكثيرة ..
فخفق قلبها بعاطفة جارفة نحوه ..
وأحست بأنه الانسان الذى طالما حلمت به ..
وتمنت أن تكون معه الى الأبد ..

ولكن القدر .. الذى تمثل فى الوزير " نمرود " .. أبى أن يتركهما فى سلام ..
فأمر الوزير .. قائد الحرس .. بنقله الى الفيلق المتقدم على الحدود ..
فى مواجهة الأعداء ..
ليتخلص منه فى أقرب فرصة ..
وشعرت الأميرة بهذا الخطر .. وهذه المكيدة ..
وتخليت الأميرة ما يمكن أن يحدث لو فقدته ..
لقد كان الأمل الوحيد الذى تعيش من أجله ..
انه حلمها الجميل .. الذى أوقظها منه الوزير " نمرود " ..
فأصابها ما أصابها من علة ..
وفقدت الاحساس بقيمة الحياة .. بل وتمنت الموت فى لحظة من اللحظات ..
فأخذت تذبل رويدا رويدا .. كالزهرة التى فقدت الماء والهواء ..
لقد أظلمت الدنيا فى عينيها .. ولم تجرؤ على الحديث فى ذلك مع أحد ..
خوفا من غضب سموك يا صاحب الجلالة ..
وفضلت الموت على الحياة بعيدا عن الانسان الوحيد الذى أحبته ..

قام الملك من مجلسه ..
داعيا مستشاريه ، وحكمائه ..
وطلب منهم التحقق فورا مما سمعه من الطبيب ..
وبعد تقص وبحث .. أبلغوه بصدق ما سمع ..
فأستدعى على الفور الوزير " نمرود " .. وسأله :
· لماذا فعلت ذلك أيها الوزير .. ؟
· حرصا منى على مولاتى الأميرة ، وحفاظا عليها ..
· أما كان من الأجدر بك أن تخبرنى أولا قبل أن تتصرف فى مثل هذا الأمر الذى هو من شأنى وحدى ؟
· صمت الوزير .. مستشعرا عدم رضا الملك عن فعلته ..
· ( استطرد الملك ) : لولا حسن نيتك ، وطول خدمتك معى ، لأمرت بقطع راسك على الفور .. لأنك تسبب فيما أصاب ابنتى الأميرة التى كدت أفقدها بسبب تصرفك .. ولكنى سأعاملك بحكمتى ، وسأكتفى بعزلك من منصبك .. وسأولى من هو أكثر منك حكمة ورحمة ..

أمر الملك باستدعاء الفارس " مهران " ..
وأعلن زواج الأميرة " قمر الزمان " من الفارس الشجاع " مهران " ..
وأمر باقامة الأفراح فى المملكة أربعين ليلة ..
احتفالا بهذا العرس الميمون ..
فعم الفرح المملكة .. وأقيمت الولائم .. ووزعت الهدايا والعطايا ..
وصدحت الموسيقى فى أرجاء القصر أربعين ليلة ..
وانخرط الجميع فى الرقص والغناء .. وغمرتهم السعادة ..
الا واحدا ..

سأل الملك فجأة عن الطبيب ..
لم يكن هناك مع الحاضرين ..
لم يشاركهم الأفراح .. لقد أختفى ...
أمر الملك بالبحث عنه فورا ..
وانتشر الحرس فى كافة أرجاء المملكة للبحث عن الطبيب ..
بحثوا عنه فى كل مكان .. ولم يجدوه ..
فكان لغزا محيرا .. أصاب الجميع بالحيرة ..
وعلمت الأميرة ..
فحزنت حزنا شديدا .. وطلبت من والدها أن يبحث عن الطبيب حتى تكتمل فرحتها
فأصدر الملك أوامره باستمرار البحث .. ورصد مكافأة كبيرة لمن يعثر عليه ..
وأستمر البحث ..

أخذت المملكة كلها تبحث عن الطبيب المختفى ..
تحقيقا لطلب الأميرة .. وأستكمالا لفرحتها ..
وبعد أيام ..
عثر بعض الناس على الطبيب ..
كان يرقد فى كوخ صغير على النهر .. فى طرف المملكة ..
ولكنه كان يطل من بعيد على قصر الأميرة ..
على الجانب الآخر من النهر ..
كان مريضا .. معتلا .. يعانى الضعف من قلة المأكل والمشرب ..
كان شاردا .. حائرا .. لا يرفع ناظريه عن قصر الملك الذى يضم جناح الأميرة ..
متمنيا أن تطل عليه عبر الأفق بوجهها الملائكى .. ولو مرة واحدة قبل أن يموت

ذهب الجميع الى الملك .. وأخبروه بما شاهدوا ..
وقالوا له .. أن الطبيب قد أصابته العدوى من مرض الأميرة ..
لقد كانت له نفس الأعراض ..
وعلمت الأميرة ..
فتألمت كثيرا .. لقد كان سببا فى شفائها من دائها ..
لقد أحست نحوه بالراحة والأمان ..
وكانت تحس بآلام الطبيب .. لأنها عانت منها من قبل ..
كانت الأيام التى قضتها تحكى له من قلبها ، وتشكو له همومها .. قد تركت أثرا حميما فى قلبها .. ولم تكن تعرف ما معنى هذه المشاعر .. أو الى متى .. وما مصيرها ..
ولكنها كانت – بكل تأكيد – تشعر بالراحة البالغة كلما تذكرت تلك الليالى ..
وما دار فيها من حديث ..
كانت تشعر الأميرة .. أن الطبيب قضى الوقت الطويل ساهرا .. منتبها .. من أجل شيئ واحد .. هو علاجها .. والبحث عن سعادتها وراحتها .. دون أن يفكر فى أى مقابل .. سوى أن يرى ابتسامتها الرقيقة .. وقد عادت اليها بعد غياب طويل ..

ياله من شيئ رائع .. ومعان جميلة .. أحست معها الأميرة بالعرفان بالجميل ..
فقررت أن تعالجه .. كما عالجها ..
وأن تقف الى جواره .. حتى يشفى من دائه .. لكى ترد له الجميل ..
فطلبت من والدها أن يأذن لها بزيارة الطبيب العليل فى كوخه الفقير ..
وأحس الملك بمشاعرها النبيلة .. الراقية ..
فأذن لها بما أرادت ..
وطلب من معاونيه أن يذهبوا ويخبروا الطبيب العليل بأن الأميرة قادمة لزيارته بعد أيام قليلة ,,

علم الطبيب بالخبر ..
لم يصدق ما سمعه فى بداية الأمر ..
فبعد أن كان يحلم برؤية طيفها فقط ..
سيراها وجها لوجه .. ويتحدثان معا ..!!
ما أجمل أن يتحقق الحلم .. وأن يصبح حقيقة واقعة ..
وبالرغم من مرضه وضعفه .. الا أنه أحس بأنه عاد شابا من جديد ..
أحس بأن كل شيئ حوله أسبح جميلا ..
أحس بأنه عاد للحياة .. بعد أن شعر بسكرات الموت ..
لقد كان هذا الخبر بالنسبة له .. أكسير الحياة ..
وأخذ يحلم باللقاء المنتظر ..

انطلق بخياله بلا حدود ..
وكان قلبه يدق بصوت عال .. حتى كاد يسمعه ..
وبرغم كبر سنه .. وطول خبرته .. وتجاربه ،
كان يحمل نفس الأحاسيس التى يشعر بها الانسان عندما يلتقى بحبيبته للمرة الأولى فى حياته ..
تداخلت المشاعر ، تدافعت العواطف .. وتزايدت الانفعالات ..
حتى أصبح لا يعرف ماذا سيفعل عندما تقع عينه عليها للوهلة الأولى ..
وأصبح يخشى الارتباك ، وأن تفضحه عيونه ..
فتنال من وقاره .. وكبريائه .. وأحس بالخوف من الشعور بالضعف أمام عيونها .
وتمنى أشياء كثيرة .. وحلق به الخيال الى آفاق بعيدة ..
وظل يحلم .. ويحلم
يالها من أحلام جميلة ..

جاء الموعد ....
وتحركت الأميرة بموكبها وحراسها ، الى كوخ الطبيب ..
حتى اذا وصلت اليه ،
نادته برقة وحنان .. " أين أنت ياطبيبى العزيز ؟؟ "
فنهض من فراشه .. وفتح الباب .. ونظر الى الأميرة ..
آه ه ه ه ه ه ه ..آهة مكتومة خرجت من صدره ملتهبة بنار الشوق اليها ..
لم يصدق الطبيب عيناه ..
كانت كما تخيلها .. ملاك من السماء ..
الرقة فى أسمى معانيها ..
الوجه الذى يجسد الجمال ، والبراءة ، والرقة .. ..
العيون الصافية العميقة .. التى يحار الانسان فى قراءة ما تحويه من معان عندما ينظر اليها ..
كانت مثل لوحة فنية ، أبدع الفنان فى رسمها ..
تنبض بالحيوية ، والدفئ .. والحب ..
وعندما يراها من يتزوق الفن .. لا يملك الا أن يقف مشدوها صامتا .. خاشعا ، حالما متأملا فى معبد الجمال ..

لم يفق من خياله الا بعد أن بادرته الأميرة بسؤالها :
" مابك ياطبيبى العزيز ؟ "
فجال بنظره حولها ..
الخادمات والحراس .. والمرافقين للموكب ..
سلاسل وأصفاد قاسية تكبل مشاعره ، وتقيد لسانه ..
ولكنهم لم يكبلوا عيناه .. أو خياله ..
فأحتضنها بعيناه ..
وأختطفها بخياله من بين كل هؤلاء .. وطار بها فوق السحاب ..
فأحست هى فى نفس اللحظة برجفة هزت جسدها الرقيق ..
وتغلغلت نظراته فى أعماقها ..
فقد كانت تنظر الى عينيه .. وقرأت ما بهما ..

أفاق مرة أخرى على صوت أجش أرتعدت له فرائصه ..
" لماذا لا ترد على سمو الأميرة ؟؟ " .. كان قائد الحرس ..
فأحس الطبيب وكأن عزرائيل قد جزبه بعنف الى الخلف بعد دخل الجنة ..
ليخرجه الى الدنيا مرة أخرى ..
فقال الطبيب : " معذرة ياسمو الأميرة " .. ان سعادتى بحضورك الى هذا المكان المتواضع ، جعلنى عاجزا عن التعبير .. لكننى مدين بكرمك فى تشريفى بهذه الزيارة ..
فسألته الأميرة : " مما تعانى أيها العزيز ؟؟ "
فنظر اليها .. ولم يجب ..
ولكنها أحست بأنه يعانى من نفس الأعراض التى كانت تعانى منها سابقا ..
فأخبرته بأنها لن تنسى ماقدمه لها فى محنتها ..
وأنها لن تتخلى عنه .. بل ستبذل ما تستطيع لمساعدته على الخروج من محنته .
وأنصرفت ..

ذهبت الأميرة الى والدها ..
وشرحت له حالة الطبيب ..
وقالت له : " يا أبى .. كيف نرد لهذا الطبيب ما قدمه لنا من جميل ؟؟ "
وتشاورا معا ..
ثم أصدر الملك أمرا ببناء منزل جميل من أفخر أنواع الأخشاب فى جانب جميل من حديقة القصر .. بحيث يكون مقابلا لجناح الأميرة ..
وأمر باحاطته بالاشجار والزهور الجميلة النادرة .. وأشجار الفاكهة ..
وطلب بأن يكون كل شيئ داخل هذا المنزل وخارجه ينم عن الجمال والفن ..
وتجهيز المنزل بأفخر الأثاث .. لتوفير الراحة التى يستحقها هذا الرجل الطيب ..
ثم طلب من قائد الحرس الذهاب فى موكب جميل ، لاحضار الطبيب ليسكن هذا المنزل ..
وعندما حضر الطبيب .. توجه الى الملك ليعبر عن شكره وامتنانه لما قدم له ..
فقال له الملك : " لقد قدمت لى جميلا لن أنساه .. لقد أعدت البسمة والفرحة لى ولأبنتى .. وجمعت شمل حبيبان ، وهذا عمل انسانى عظيم .. لقد كنت سببا فى الأفراح والسعادة والخير الذى عم المملكة كلها ..
وهذا البيت .. هو أقل ما يمكن أن نقدمه لك حتى تكون قريبا من الأميرة ..
فلا تبخل عليها بالنصح ..
وستحتاج الى حكمتك دائما ..
وأنا لا أجد أفضل منك لأثق فيه ، ليرعاها .. ويعتنى بها ..
وهى من اليوم أمانة بين يديك ..
فشكره الطبيب على ثقته وكرمه ، ووعده بأن يكون أهلا لثقته .. وأن يصون أمانته ..

وفى صباح اليوم التالى ..
نزلت الأميرة الى حديقة القصر تتهادى كالفراشة بين الأشجار والزهور ..
لتنعم بجمال الطبيعة .. وسحرها ..
وعندما وصلت الى منزل الطبيب ..
وجدت أنه قام بحفر بعض أبيات من الشعر على باب المنزل ..

غناء البلبل يوقظنى ..
ونسيم الصبح يداعب أوراق الشجر ..
وخيوط الشمس تغازلنى ..
وعبير الزهر يغمرنى .. فيطول العمر ..
وخرير الماء يدغدغنى ..
واللون الأخضر من حولى ينسينى سنوات الفقر ..
وملاك الحب ينادينى ..
ونداء الأمل يشفينى من داء السحر ..
ورقة قلب تحيينى ..
ونظرة عين تروينى ..
وصباح الخير .. تكفينى ..

فابتسمت الأميرة .. وقالت : " صباح الخير ياطبيبى "
فنظر اليها الطبيب من النافذة مبتسما وقال :
صباح الورد يا................................. " سمو الأميرة "

ليست هناك تعليقات: