الأربعاء، 16 أبريل 2008

تقطير الوظائف - الجزء الثانى

تقطير الوظائف بين الاحصاء والواقع .. ( الجزء الثانى )

ما أن تم نشر الجزء الأول من مقالى حول هذا الموضوع ، حتى تلقيت بعض الآراء المرتجفة والتحذيرات من رد الفعل على ما كتبت ، لأننى كما يقولون أدخلت نفسى فى حقل من الألغام أو الأشواك .. خوفا من احتمال أن يكون هناك من سيفهم كلامى – عن غير قصد – من زاوية غير صحيحة ..

وكان ردى عليهم ، بأننا نعيش اليوم فى قطر عصرا من الشفافية والحب ، مع اناس يؤمنون بالكلمة الصادقة ، ويحبون كلمة الحق ، يقدمون فى مشاعرهم حسن النية دون غيرها ، وينظرون الى أمور وطنهم بعين العقل والحكمة .. وفى هذا المناخ الصحى ، لا مجال للخوف .. لا سيما اذا كان الهدف هو الصالح العام ..

عودة الى موضوعنا .. حول الأسس العلمية الواجب مراعاتها لانجاح تجربة التقطير ، لضمان جنى ثمارها لصالح الوطن والمواطن ، ويجب أن نسلم جميعا بمبدأ أنه لا يوجد من يفوق حبه لقطر سوى المواطن القطرى الذى يحلم بأن تكون قطر أعظم دولة فى العالم ..

وفى اعتقادى ، أن مشروع التقطير يجب أن يسير وفقا لخطة طويلة الأجل ، وأخرى قصيرة الأجل ، فعلى المدى البعيد .. يجب أن تتضمن مقررات التعليم بالمدارس الأولية ، بل وفى كافة المراحل المواد التى تنمى فى الطالب أهمية الشعور بالانتماء الذى يؤكده العمل الايجابى ، والفخر بالعمل لبناء الوطن ، وشرح أساليب المساهمة فى هذا البناء فى كافة المجالات ، مع دراسة التجارب الناجحة فى البلاد الأخرى وما حققته من نتائج ، وأن يكون التركيز على مبدأ شرف العمل لخدمة الوطن ، وأنه مامن انسان سيبنى الوطن أفضل من أبنائه .. وأن تهتم الادارات المشرفة على التعليم برصد الجوائز وشهادات التقدير للأعمال الفنية والثقافية التى تجسد وترسخ هذه المفاهيم ، وأن تشجع الطلبة على اعداد أبحاثهم فى هذا المجال ، حتى لو تطلب الأمر منح درجات اضافية على المجاميع فى الشهادات العامة لمن يبرز دورهم من الطلبة فى هذا المجال عن ايمان وجدارة ..

وعلى المدى القريب ، أى فى الوقت الحالى .. فقد لاحظنا أن الدولة قامت من جانبها بانشاء مركزا متخصصا لتدريب وتأهيل الكوادر القطرية للعمل .. وبالرغم من أهمية هذا المشروع الناجح والمبادرة العلمية من جانب الدولة .. الا أن مواد التدريس فى هذا المركز تغطى الأساسيات والعموميات دون تفاصيل التخصصات المختلفة ، وهذا أمر طبيعى ، فالهدف هو وضع القاعدة الأساسية للعمل ، وترك اختيار مجال العمل للمتدرب وللفرص المتاحة ..

واستكمالا لمبادرة الدولة فى مجال التدريب .. فاننى أرى ضرورة تضافر جهود المؤسسات والهيئات المختلفة باتخاذ الخطوة المقابلة ، وذلك بالتزام كل مؤسسة أو هيئة أو وزارة بانشاء مركزا للتدريب ، يقوم عليه أصحاب الخبرة ، واختيار أصحاب الخبرة من المدربين القادرين على نقل معلوماتهم وخبراتهم بأسلوب ميسر وبسيط ومتخصص الى أبنائنا القطريين ، وبأدق التفاصيل لتجهيزهم للمستوى المهنى النهائى للقيام بواجباتهم داخل كل مؤسسة .

ومن الجدير بالذكر .. أن هذه المراكز ستكون مطالبة فى نهاية كل دورة – الى جانب التقييم العلمى لكل متدرب – بأن تبدى توصياتها حيال أفضل المواقع التى يمكن أن يعمل بها المتدرب داخل المؤسسة وفقا لقدراته وميوله الشخصية .. لأن هذا المعيار من أهم عوامل النجاح فى العمل ، وهذه التوصية تعد أحد المهارات الواجب توافرها فى المدرب المختار .

وعلى صعيد الاعلام .. يجب أن تكون هناك برامج تليفزيونية واذاعية موجهة من المتخصصين لابراز التجارب الناجحة لهؤلاء الشباب واعتبارهم مثلا يحتذى للآخرين ، وطرح ما قد يصادف البعض من مشاكل ومعوقات فى التجربة ، ومتابعة حل هذه المشاكل مع الجهات المسئولة ، وعدم ترك الشباب يصارعون الأمواج العاتية دون داعم ومعين .. ثم يتهمهم البعض بالتقصير والفشل .. دون أن نأخذ فى الاعتبار ظروفهم المحيطة .

ولا يجب أن نغفل جانبا هاما من التجربة ، فهؤلاء الشباب فى بداية حياتهتم لهم من المسئوليات والطموحات المهنية والاجتماعية ما هو مشروع وضرورى .. فمثلا الجانب المادى .. يجب ألا يترك لكل مؤسسة الحرية فى تحديد الحد الأدنى للراتب والبدلات ، فتكون صدمة لبعض الشباب أن المقررات المالية للوظيفة لا تتناسب مع احتياجاته الضرورية والأساسية ، فيكون ذلك سببا فى هجرة موقعه الى موقع آخر أفضل ماديا .. ويظل الشاب طائرا بين المؤسسات المختلفة دون أن يعمق خبرته ، ويحدد تخصصه .. أى نفتقد الى عنصر الاستمرارية لفائدة الشاب والمؤسسة فى آن واحد .

وفى هذا الاطار يجب أن نفكر بشكل أو بآخر فى وضع معايير موحدة لكل مؤهل علمى وتخصص مع سنوات الخبرة .. خاصة بالنسبة للمؤسسات الكبرى التى لديها القدرة المالية على الأخذ بهذه المعايير .. مع وجوب التزام المؤسسات بذلك باعتباره واجبا قوميا .

وعلى الجانب الآخر .. لا يجب أن نترك للشاب حرية التنقل بين المؤسسات والهيئات التى نال فيها قسطا من التدريب النظرى والعملى ، وبات من حق المؤسسة أن تجنى ثمار جهدها فى الاستفادة من عمل هذا المواطن .. بدلا من تدريبه وتأهيله لشغل وظيفة ما ، واكسابه المهارة والخبرة فى تخصصه .. ثم تفاجأ بأنه غادرها بعد أشهر قليلة الى موقع آخر .. فتبدأ المؤسسة من نقطة الصفر مع متدرب آخر وهكذا .. ولعلى أطرح هذه القضية على المسئولين الذين هم أدرى منى بالصالح العام بحكم مواقعهم الرسمية .. كيف نضع حدا أدنى لفترة عمل المواطن الذى تم تدريبه لدى أحد المؤسسات المتخصصة ، كأن تكون ثلاث الى خمس سنوات مثلا .. حتى تبذل المؤسسة قصارى جهدها فى تعليم وتدريب موظفها القطرى ، لأنها ستطمئن الى استمراره معها لفترة مناسبة ، وأنها لن تكون معبرا الى مؤسسة أخرى ..

ان وضع أهداف محددة بنسب لتوطين الوظائف ، ومتابعة التزام المؤسسات والهيئات بهذه النسب شيئا هاما وضروريا .. ويجب أن يحترمه الجميع .. ولكن يجب علينا فى نفس الوقت أن نهتم بنفس القدر من الاهتمام بنجاح التجربة وتحقيق اهدافها فى بناء وطننا الحبيب .

ربما يكون هناك جزءا ثالثا لهذه السلسلة من المقالات ، تدور حول التجارب الناجحة لتوطين الوظائف ، وبعض التجارب فى البلدان الأخرى ونتائجها ، اذا ما لاقيت قبولا لهذه الفكرة من أولى الأمر ..... وعلى الله التوفيق ..

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

"وعلى الجانب الآخر .. لا يجب أن نترك للشاب حرية التنقل بين المؤسسات والهيئات التى نال فيها قسطا من التدريب النظرى والعملى ، وبات من حق المؤسسة أن تجنى ثمار جهدها فى الاستفادة من عمل هذا المواطن .. بدلا من تدريبه وتأهيله لشغل وظيفة ما ، واكسابه المهارة والخبرة فى تخصصه .. ثم تفاجأ بأنه غادرها بعد أشهر قليلة الى موقع آخر .. فتبدأ المؤسسة من نقطة الصفر مع متدرب آخر وهكذا"

مع كل الاحترام والتقدير
كلام من ذهب


علي الساده