الأربعاء، 16 أبريل 2008

ومضات انسانية


ومضات انسانية
كنت جالسا فى حالة استرخاء ، أرنو بين لحظة وأخرى الى سيارتى المعلقة على رافعة الغسيل فى احدى محطات غسيل السيارات ، مستمتعا باحتساء كوبا من الشاى المخصوص الذى أعده لى مشرف العمال باعتبارى أحد الزبائن المميزين للمحطة ، وكان الجو لطيفا مساء يوم الخميس ، ويبدو أن العوامل النفسية التى أشرت اليها كانت فى مجموعها عاملا مساعدا على حالة الاسترخاء فى جو أقرب الى الرومانسية .
اكتشفت فيما بعد .. أن عقارب الساعة فى ذلك الوقت كانت تشير الى السادسة والنصف تقريبا عندما أفقت من استرخائى على أصوات ونداءات صادرة من عمال المغسلة فى اتجاهات مختلفة لم أفهم مضمونها لعدم درايتى باحدى اللغات الآسيوية ، ولكننى شعرت بأن هناك شيئا غير عادى ..
لاحظت بعد ذلك أن العمال يتجهون فى آن واحد الى أحد النوافذ التى يقبع خلفها أحد الصرافين ، وقد وضع أمامه عدد من المغلفات المغلقة التى حوت مبالغ نقدية استنتجت أنها رواتب هؤلاء العمال ، لقد حان موعد صرف الرواتب الشهرية .
سبحان الله .. منذ لحظات كان العمال يتحركون باعياء اسبوع كامل من العمل المتصل ، كانت تبدو عليهم مظاهر الاعياء والتعب ، فقد كان الوقت نهاية اليوم الأخير من هذا الاسبوع ، كانوا مختلفى الجنسية ، وربما الدين واللغة ، بل ومتفاوتى الأعمار ودرجات الأقدمية وبالتالى المستويات الوظيفية والتخصصات .. كانوا مختلفى الطباع ، والظروف الاجتماعية ... الخ ، وبالرغم من تعدد مظاهر الاختلاف ، لكنهم اتفقوا فى شيء واحد فقط ، قد لا تجد فيه اختلافا بين كل مخلوق يسمى انسان .. السعادة التى تقرؤها فى العيون .. دون أن ينطق صاحبها بكلمة واحدة ..
وفجأة .. دب النشاط فى كافة أرجاء المحطة ، وكأن العمال قد بدأوا عملهم فى مستهل يومهم وليس فى نهايته ، تولدت لديهم طاقة غير عادية ، علت وجوههم الابتسامة ، يعملون وأنت تخالهم يرقصون ..
سرحت قليلا متأملا اياهم ، واعترتنى أسئلة عديدة .. هل ستبيت هذه الرواتب فى جيوبهم هذه الليلة .. أم هناك من ينتظرهم ليتقاضى ما عليهم من التزامات مختلفة ؟ كم سيتبقى منها ؟ والى متى ؟ وهل اذا كان بينهم من يستطيع أن يدخر بعضها ليضمها الى مدخراته من الشهور السابقة .. من سينفقها ؟؟
الى هذا الحد شعرت بعدم الارتياح الى الاستطراد فى مزيد من هذه الأسئلة ، ولماذا أحرم نفسى من الاستمتاع بمشاهدة سيمفونية السعادة فى هذه الخلية التى استيقظت من جديد .. وحينها تذكرت شيئا عظيما ، عرفت الحكمة الالهية من ورائها ، عندما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم " اعط الأجير حقه قبل أن يجف عرقه " صدق رسول الله .. ان هذا القول الكريم لم يكن للمسلمين فقط ، ولكنه نزل لكل انسان على الأرض ، ليكون سببا فى سعادته ولو للحظات .. الحمد لله ....

ليست هناك تعليقات: