الأحد، 17 يونيو 2018








" المعايير الدولية لتقييم البنوك "






كما أسلفنا فى المقالات السابقة .. فإن أهمية البنوك فى المجال الإقتصادى والتنمية ، وتبادل الثروات بين الدول عن طريق التجارة الدولية ، وإقامة المشروعات المشتركة فرضت على المجتمع الدولى تكليف خبراء الإقتصاد إيجاد وسيلة لتأمين أموال الدول فى المعاملات التجارية والصناعية والمشروعات لدى الدول الأخرى ، عن طريق وضع معايير مالية وإقتصادية ، وإيجاد وسائل لتقييم الآداء المصرفى لدى البنوك بصفة عامة ، للتأكد من سلامة ودقة مراكزها المالية ، وأن التقارير المالية للبنوك تعكس حقيقة الوضع المالى للبنك ، ومدى سلامة آداؤه فى إطار السياسات المحلية والدولية ، دون الإكتفاء بالرقابة المحلية للبنوك المركزية .
وقد أسفرت الدراسات والبحوث المتبادلة لدى المختصين المهتمين بهذا الأمر عن مجموعة من الضوابط والمعايير التى تتيح قياس مخاطر الإئتمان لكل بنك ، ووضع الضمانات اللازمة لتأمين الممارسة المصرفية عن طريق فرض إنشاء إدارات مختصة بقياس مخاطر الإئتمان فى إطار الهيكل التنظيمى للبنك ، مع توفير الإستقلالية لهذه الإدارات بتبعيتها المباشرة لأعلى سلطة فى البنك " مجلس الإدارة " وتحت الإشراف المباشر للبنوك المركزية ، التى تتلقى تقارير دورية إلزامية عن مدى الإلتزام بضمانات مخاطر الإئتمان ، الى جانب الدور الطبيعى والحيوى لإدارات المراجعة والتدقيق الداخلى .
وعلى المستوى الدولى ، كانت هناك إجراءات بدأت لتناول معايير القياس وتصنيف البنوك والدول وفقاً لقوة أوضاعها المالية والإقتصادية ، لتكون هادياً لمن يرغب فى التعامل التجارى الدولى وإقامة المشروعات الدولية المشتركة .. وقد بدأت هذه الإجراءات بمعرفة اللجنة المشكلة لهذا الغرض ، فى مدينة " بازل " فى سويسرا ، حيث عقد ت عدة إجتماعات وقرارات سميت فيما بعد بمقررات  " بازل الأولى "  و " بازل الثانية " حيث سميت بهذا الإسم نسبة الى المدينة التى عقدت بها هذه الإجتماعات .
وسوف نستعرض ببساطة وإختصار شديدين ، مقررات بازل الأولى والثانية فيما يلى ، دون الخوض فى التفاصيل الفنية ، تسهيلاً على عامة القراء غير المتخصصين فى المجال ، وإكتفاءً بالتنويه الكافى لتكوين خلفية عامة عن هذا الموضوع .
إن الصناعة المصرفية وما تتطلبه من مبادئ للإدارة والرقابة عليها قد عرفت تطورًا كبيرًا خلال ربع القرن المنصرم ، حيث لعبت لجنة بازل للرقابة لمصرفية دورًا رائدًا في تقنين العديد من هذه التطورات ، وكانت البداية في إصدار اتفاقية بازل الأولى ، والتي قامت بتطوير حزمة من المعايير الجديدة لكفاية رأس المال وللرقابة المصرفية التي ينبغي أن تسود في النظام المصرفي الدولي .
وقد جاء هذا الإجراء نتيجة للتنسيق بين البنوك المركزية لمجموعة الدول الكبرى بغرض تحقيق المنافسة السليمة بينها ، ثم لم يلبث أن اعتبر هذا الصالح معيارًا للسلامة المالية للبنوك ، وأصبح  التوافق مع هذه الشروط عنصرًا في تحديد الجدارة الإئتمانية للدول وبنوكها .
منذ سبعينات القرن الماضي وجد محافظو البنوك المركزية بالدول الصناعية العشر الكبرى أن المنافسة بين البنوك الكبرى لدولهم لم تكن دائمًا عادلة بالنظر إلى اختلاف مستوى القيود التي تفرض على هذه البنوك في مختلف الدول ، فبعض الدول تضع قيودًا مشددة على البنوك في حين أن البعض الآخر يأخذ بنظم أكثر تساهلاً  ، فقد وجدوا أنه من المناسب تحقيق أكبر قدر من التناسق في القيود المفروضة على العمل المصرفي بينها بغرض توفير درجة أكبر من المنافسة السليمة دوليًا في عمل هذه البنوك .
لذا، فقد تأسست لجنة بازل للرقابة المصرفية تحت مسمى " لجنة الأنظمة المصرفية والممارسات الرقابية " ، بمبادرة من محافظي البنوك المركزية لمجموعة الدول الصناعية العشر الكبرى مع نهاية عام 1974 ، تحت إشراف بنك التسويات الدولية بمدينة بازل بسويسرا ، وقد اقتصر أعضاؤها على مسئولين من هيئات الرقابة المصرفية ومن محافظي البنوك المركزية لتلك الدول ، والتي أصبحت 13 دولة  متمثلة في كل من " بلجيكا ، كندا، فرنسا ، ألمانيا ، ايطاليا ، اليابان ، هولندا ، سويسرا ، السويد ، بريطانيا ، اسبانيا ، لوكسمبورغ والواليات المتحدة الأمريكية " .
تعتبر لجنة بازل للرقابة المصرفية لجنة استشارية فنية لا تستند إلى أية اتفاقية أو معاهدة دولية ، فهي تنظيم غير رسمي قائم على تفاهم وتنسيق في المواقف بين محافظي بنوك الدول الصناعية ، وقد استطاعت هذه اللجنة أن تساهم بقدر كبير في إعطاء إطار دولي للرقابة المصرفية وإيجاد فكر مشترك بين البنوك المركزية في دول العالم المختلفة يقوم على التنسيق بين مختلف السلطات الرقابية ، وكذلك التفكير في إيجاد آليات لمواجهة المخاطر التي تتعرض لها البنوك إدراكًا منها بأهمية وخطورة القطاع المصرفي .
وتجتمع هذه اللجنة أربع مرات سنوياً ويساعدها عدد من فرق العمل الفنية لدراسة مختلف جوانب الرقابة على البنوك ، وبذلك أصبحت هذه اللجنة تمثل حجر الأساس للتعاون الرقابي الدولي .
كذلك تلجأ بعض المنظمات الدولية ، فضلا عن بعض الدول إلى ربط مساعدتها للدول الأخرى بمدى احترامها لهذه القواعد والمعايير الدولية ، وتتضمن برامج الإصلاح المالي للصندوق والبنك الدوليين في كثير من الأحوال شروط تلزم الدول بإتباع القواعد والمعايير الدولية في مجال الرقابة على البنوك وغيرها من قواعد ومعايير الإدارة السليمة ، فالقواعد التي تصدرها لجنة بازل تتمتع بهذا الإلزام الأدبي والذي يصاحبه في معظم الأحوال تكلفة اقتصادية عند عدم الإنصياع لها .
وتتضمن قرارات وتوصيات اللجنة وضع المبادئ ، والمعايير المناسبة للرقابة على البنوك ، مع الإشارة إلى نماذج الممارسات الجيدة في مختلف البلدان بغرض تحفيز الدول على إتباع تلك المبادئ والمعايير والإستفادة من هذه الممارسات .
وتهدف لجنة بازل إلى تحقيق الأمور التالية :
1.    المساعدة في تقوية استقرار النظام المصرفي العالمي ، وخاصة بعد تفاقم أزمة المديونية الخارجية للدول النامية  حيث توسعت البنوك وبخاصة الدولية منها خلال السبعينات كثيرًا في تقديم قروضها لهذه الدول ، وتزايد حجم ونسبة الديون المشكوك في تحصيلها وتعثر بعض هذه البنوك ، مما أضعف مراكزها المالية إلى حد كبير .
2.    إزالة مصدر مهم للمنافسة غير العادلة بين البنوك الناشئة عن الفروق في متطلبات الرقابة الوطنية بشأن رأس المال المصرفي ، فمن الملاحظ منافسة  البنوك اليابانية ، حيث استطاعت أن تنفذ بقوة كبيرة داخل األسواق التقليدية للبنوك الأمريكية والأوروبية في ذلك الوقت ، وقد يكون هذا هو السبب الرئيسي الثاني وراء الإندفاع الأوروبي لتحديد حد أدنى لكفاية رأس المال .
3.    العمل على إيجاد آليات للتكيف مع التغيرات المصرفية العالمية وفي مقدمتها العولمة المالية والتي تنبع من التحرير المالي وتحرير الأسواق النقدية من البنوك ، بما في ذلك التشريعات واللوائح والمعوقات التي تحد من اتساع وتعميق النشاط المصرفي للبنوك عبر أنحاء العالم في ظل الثورة التكنولوجية .
4.    تحسين الأساليب الفنية للرقابة على أعمال البنوك وتسهيل عملية تداول المعلومات حول تلك األساليب بين السلطات النقدية المختلفة .

مقررات لجنة بازل وتعديلاتها التنظيمية :
أقرت لجنة بازل عام 1988 وبعد اجتماعات ومشاورات متعددة من خلال فرق عمل متخصصة اتفاقًا لوضع قواعد لكفاية رأس المال لدى البنوك ، والمقصود بذلك وضع حدود دنيا لنسبة رأس المال المتوفر للبنك مقابل معايير مالية ومصرفية بازل الأولى وبازل الثانية :
          أ‌-         القروض والتسهيلات الائتمانية التي يمنحها البنك للعملاء :
وهو يعد معيارًا موحدًا لكفاية رأس المال ملزمًا لكافة البنوك العاملة في النشاط المصرفي للدلالة على المركز المالي للبنك ، ويقوي ثقة المودعين فيه من منظور تعميق ملاءة البنك.
وقد أقرت اللجنة في هذا الصدد اتفاقية بازل الأولى التي أصبح بمقتضاها يتعين على كافة البنوك العاملة الإلتزام بأن تصل نسبة رأسمالها إلى مجموع أصولها الخطرة بعد ترجيحها بأوزان المخاطر االئتمانية إلى 8 % كحد أدنى ، وعلى جميع البنوك تعديل أوضاعهم مع هذه النسبة مع نهاية عام 1992 .
       ب‌-       معيار كفاية رأس المال وفقا لمقررات بازل 1 :
طبق هذا المعيار من طرف بنك الإحتياط الفدرالي لولاية نيويورك منذ عام 1952، وأوصت لجنة بازل بأن يعمم على البنوك التي لها نشاط دولي أو ترغب في أن يكون لها نشاط دولي .
يتم احتساب معيار كفاية رأس المال المحدد بنسبة 8 % من خلال قسمة رأس المال المتاح للبنك أو ما يطلق عليه القاعدة الرأسمالية على الموجودات المرجحة أو الموزونة حسب درجة المخاطرة ، حيث تم ترجيح الموجودات المصرفية بأوزان مخاطر اختصرت بأربعة نسب وهي (صفر، عشرين ، خمسين ، ومائة في المائة ) شملت بنود داخل وخارج الميزانية ، وتركت المجال مفتوحًا للسلطات النقدية في اختيار الوزن المناسب لمخاطر البعض الآخر.
وقامت مقررات لجنة بازل على أساس هذا المعيار بتصنيف الدول إلى مجموعتين :
المجموعة الأولى متدنية المخاطر وتضم دول منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية يضاف إلى ذلك دولتان هما سويسرا والمملكة العربية السعودية .
المجموعة الثانية فهي عالية المخاطر، وتضم بقية دول العالم ، فالقروض والتسهيالت التي تمنح للحكومات والبنوك العاملة في دول المجموعة الأولى تعتبر قروضًا وتسهيلات خالية من المخاطر، ولذلك فإنه لا يشترط فيها الإحتفاظ بأية نسبة من رأس المال كضمان ، أما بالنسبة لباقي القروض والتسهيالت للأفراد أو المشروعات فإن الإتفاق يتطلب من البنوك أن تحتفظ بنسبة 8 % من رأس المال .
وقد تم الإتفاق في إطار مباحثات لجنة بازل على تقسيم رأس المال المصرفي إلى شريحتين وذلك لأهداف رقابية وإشرافية :
1 - الشريحة الأولى : رأس المال الأساسي (Core Capital) ، ويشتمل على حقوق المساهمين / حقوق الملكية أو رأس المال المدفوع إضافة إلى الإحتياطيات المعلنة والأرباح غير الموزعة أو المحتجزة .
2 - الشريحة الثانية: رأس المال المساند أو التكميلي (Supplementary Capital) ويشتمل على الإحتياطيات غير المعلنة ، احتياطيات إعادة تقييم الموجودات ، مخصصات الإحتياطيات العامة للديون المتعثرة ، الإقراض متوسط وطويل الأجل من المساهمين ، والأسهم والسندات التي تتحول إلى أسهم بعد فترة . وقد اشترطت أن لا يزيد رأس المال المساند عن 100 % من رأس المال الأساسي كحد أقصى ، وأن لا يزيد بند المديونية للغير ( أي سندات رأس المال ) عن 50 % كحد أقصى من رأس المال المساند .

        من الجدير بالذكر .. أن لجنة بازل وما أقرته من قرارات وتوصيات نحو المعايير المصرفية ، كانت تتناسب وتعتمد على الأنظمة المصرفية للبنوك التجارية  ، ولم تأخذ فى الإعتبار بعض الإعتبارات المتعلقة " بالبنوك الإسلامية " التى تختلف فى تفاصيلها وأسلوب عملها ومراكزها المالية عن البنوك التقليدية ، وكان ذلك بداية تحفظ من جانب البنوك الإسلامية التى رأت أنه من الضرورى أن تكون هناك جهة رقابية موازية للجنة بازل ، للقيام بمهام الرقابة والتقييم ووضع المعايير لقطاع البنوك الإسلامية الذى لا يمكن تجاهله ، بعد الزيادة المتطردة فى عدد وحجم البنوك الإسلامية وإنتشارها ، وهذا ما سيتم تناوله فى المقالة التالية .

ليست هناك تعليقات: