الثلاثاء، 23 سبتمبر 2008


عشماوى .. يسلى صيامه !!
( قصة واقعية ) من الحياة ..
عشماوى .. هو ذلك الرجل صاحب الجثة الضخمة ، والشنب العريض المبروم لأعلى ، والعينان القاسيتان التى تشعان شرارا يرهب بهما السجين المحكوم عليه بالاعدام فيجعله يتمنى تنفيذ الحكم هربا من عيناه الجاحظتين ، وعشماوى هو الشخص المنوط به تنفيذ حكم الاعدام الصادر له من المحكمة العليا .
هذا العشماوى لا يقتصر وجوده فقط على السجن ، وانما يمكنك أن تراه فى كل مكان ولكن قد يبدو مختلفا بعض الشيئ ، فبدلا من أن تجده ضخم الجثة ، تجده ضخم السلطة ، وبلا شنب مبروم ، وعيناه تشع رقة وحنانا تدفعانك للارتماء فى أحضانه هائما فى الآمال والأحلام .. حتى تصحو فجأة وقد وضع يداه الناعمتان حول عنقك منفذا حكم الاعدام .
صديقنا " عشماوى " أراد فى اليوم الأول من رمضان أن يسلى صيامه ، كانت الناس من حوله تتبادل التهانى فى حب وتفاؤل بالشهر الكريم ، والكل يتمنى أن يكون هذا الشهر المبارك خير وبركة وسعادة للجميع .. لكن الناس جميعا كانت فى واد ، والحبيب عشماوى فى واد آخر .. فقد انسحب من جموع المهنئين وأخذ جانبا وهو يفكر بعمق .. كيف يسلى صيامه ؟؟ حتى جاءته الفكرة العبقرية ..
أصدر تعليماته بجمع المساجين الأربعة ، وامعانا فى التسلية .. جمع عائلاتهم من خلفهم ، وصاح فيهم .. لقد تقرر تنفيذ حكم الاعدام فيكم الآن .. يالها من صدمة ، أليست هناك فرصة لاستجماع القوى واستقبال الخبر ؟؟ أليس من حقهم أن يودعوا أسرهم ويخبروهم كيف يتصرفون مستقبلا ، أليست هناك فرصة لالتقاط الانفاس ..؟؟ انهار الجميع – المساجين وعائلاتهم واطفالهم – فى بكاء شديد من شدة الصدمة ، وتبدلت ابتسامتهم بقدوم الشهر الكريم فى يومه الأول ، بالبكاء والعويل .. وصاحبنا عشماوى جالسا مسترخيا مبتسم الوجه .. سعيد القلب ، مستمتعا بمشهد غرة رمضان ...
أخذ المساجين وعائلاتهم يتوسلون الحاج عشماوى ، أن يؤجل تنفيذ الحكم بعض الوقت ، وأخذ كل منهم يسوق أسبابه ودوافعه لطلب التأجيل ، وهو ينظر اليهم بوجه جامد ، وابتسامة صفراء .. وقلب يكاد يقفذ من صدره من شدة السعادة والمتعة .. واستمر الحال على ذلك ساعات وساعات ، بين الرجاء والأمل .. واليأس .
تململ الأخ عشماوى فى جلسته ، مستعدلا جسده المترهل .. متثائبا أحيانا ، مدلكا عيناه أحيانا .. مداعبا خصلات شعره الأشعث أحيانا أخرى .. ناظرا الى الضحايا من آن لآخر .. وأخيرا تعطف عليهم بالكلام .. " حسنا .. فلينصرف النساء والأطفال الى بيوتهم .. والمساجين الى سجنهم .. وسوف أنظر فى الأمر ، وقد أوحى بالأمل فى الاستجابة لطلبهم دون تصريح .. أو تأكيد .
عاش السجناء على الأمل .. وحاولوا أن ينقلوا الأمل الى ذويهم ، ولكن الانتظار بين الأمل واليأس صعب ، فاذا نام السجناء هاجمتهم الكوابيس ، واذا استيقظوا ، عاشوا فى حيرة من أمرهم ، تدور فى رؤوسهم ملايين الأسئلة .. هل ؟ متى ؟ لماذا ؟ ............. الخ . وأخينا عشماوى مستمتعا بصيامه وصلاته ، سعيدا بين أولاده بالشهر الكريم ، تاركا وراءه المساكين الذين يتقلبون على جمر النار فى انتظار مصيرهم .. تمر عليهم الدقائق كأنها أيام وشهور .. الساعة متوقفة تماما .. فى انتظار القرار ..
ولما طال الانتظار .. تسرب الأمل الى قلوب المساكين مرة أخرى .. وشعروا أن طول الفترة التى مرت عليهم ، ربما كانت مقدمة لاستيقاظ ضمير الحاج عشماوى فى هذا الشهر الكريم ، وقال بعضهم أنه من المستحيل أن تجتمع القسوة مع شهر الرحمة ، ولا بد أن مع العسر يسرا .. وبدأت النفوس تهدأ شيئا فشيئا ..
وفجأة .. ظهر الأخ عشماوى .. مناديا بأعلى صوته ، فاغرا فاهه الواسع الذى انبعثت منه الرائحة الكريهة .. وعيناه الحمراوان .. وشعره الأغبر ، واذناه الكبيرتان ، وأنفه المنبعج الأحمر الملوث أحضروا المساجين ( عفوا .. المساكين ) ، سوقوهم الى غرفة المشنقة .. حان وقت الاعدام .. لا أمل ولا مفر ولا رجاء .. أشنقوهم بلا رحمة ، فنحن فى رمضان وكل عام وأنتم بخير ...

الأربعاء، 20 أغسطس 2008

صدق أو لا تصدق ...


أغرب من الخيال ......

روى لى صديق من المقربين الملتزمين المعروفين بصدقهم ، أن أحد الأصدقاء يستأجر فيللا كبيرة بالدوحة ، ويقيم فيها مع أسرته منذ سنوات ، وكان الايجار عندما أستأجرها يبلغ ثلاثة آلاف ريال قطرى .. ومنذ حوالى عشر سنوات .. تم زيادة الايجار الى أربعة آلاف ريال قطرى .. أى أن الايجار أصبح أربعة آلاف ..
ولما لا حظ هذا الصديق أن المالك على مدى عشر سنوات تقريبا لم يفكر فى زيادة الايجار رغم الزيادة الجنونية فى الايجارات التى تشهدها قطر فى السنوات الأخيرة ، ذهب الى المالك من تلقاء نفسه قائلا له : " لا حظت ياسيدى أن الايجارات ترتفع سنويا ، حتى أن هناك آلاف القضايا أمام المحاكم لهذا السبب ، فى حين أنك لم تطلب زيادة فى الايجار عن الفيلا التى أسكنها ؟؟ " .
فأجابه المالك : " ولماذا أزيد الايجار ؟؟ لقد رزقنى الله بما يكفينى ويزيد والحمد لله .. وأنت انسان تقيم فى هذا السكن من سنوات طويلة ، ولديك أسرة والتزامات ، وتكلفة الحياة ترتفع من آن لآخر دون انذاز .. فهل أزيد عليك العبئ بزيادة الايجار ؟؟ .
فقال له الصديق : " ولكننى أشعر بأنك تظلم نفسك , وأرغب – عن كامل الرضا ، وعن طيب خاطر – أن أرفع القيمة الايجارية الشهرية الى خمسة آلاف ريال ، حتى يرتاح ضميرى .. "
فكانت المفاجأة أن رفض المالك رغم اصرار هذا الصديق ، وأقسم بأنه لن يزيد الايجار ولو ريالا واحدا .. وأن القناعة بالرزق تأتى بالخير الكثير .
وهنا تذكرت ما يدور من صراع بين المقتدرين من ملاك العقارات ، وهؤلاء المستأجرين الذين يصارعون الحياة لمواجهة الزيادة فى أسعار السلع وتكلفة المعيشة .. وزيادة المصروفات الدراسية ، وربما بعض التكاليف العلاجية لدى البعض ، بل وزيادة أسعار تذاكر السفر بالطائرة للاجازات السنوية الضرورية لهؤلاء المكافحين الذين ينتظرون الأجازة الدراسية لقضاء أجازتهم مع أولادهم وأهلهم وذويهم لتجديد نشاطهم ، والحصول على قسط ولو محدود من الراحة النفسية التى تمكنهم من مواصلة واجبهم تجاه عملهم .. .. وتذكرت الخطوة المباركة من جانب الدولة بوضع القوانين التى تقيم العدل فى العلاقة بين الطرفين ، والتى لولاها لما عرفنا الى أى مدى كان يمكن أن يصل الحال ..
ولكن الأهم من ذلك .. أننى تذكرت قول الله سبحانه وتعالى " بسم الله الرحمن الرحيم .. محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ... الخ الآيات . صدق الله العظيم ، وتذكرت الحديث الشريف عن نبى الرحمة – صلى الله عليه وسلم - الذى قال فيه الله سبحانه وتعالى " وما أرسلناك الا رحمة للعالمين " صدق الله العظيم .. قال الحديث الشريف " الخير فى وفى أمتى الى يوم القيامة " وفى رواية أخرى الى يوم الدين .. صدق رسول الله ..
والى هذا الحد .. زالت دهشتى من رواية صديقى .. وأحسست فعلا أن هناك روايات أخرى كثيرة مشابهة مع أهل الخير .. وحمدت الله على أن الدنيا مازالت بخير.. ودعوت الله أن يكثر من أمثال هؤلاء المتقين الذين يشترون الآخرة بالدنيا بالقناعة والعمل الصالح ، والرحمة ..

الاثنين، 11 أغسطس 2008

الانسان .. والحب


الانسان .. والحب

الحب ... من المشاعر التى خلقها الله سبحانه وتعالى للانسان كى يستخدمها الاستخدام الأمثل ، للتقارب مع الآخرين ، والاستمتاع بالحياة السعيدة ، وأيضا للوصول بها الى الجنة .. وهنا أذكر بالحديث الشريف " لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب اليه مما سواهما .. صدق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) .
وكالمعتاد .. قام الانسان باستخدام هذه المشاعر النبيلة بطرق مختلفة ، واخترع أنواعا متعددة من الحب التى خرج بها عن المعانى السامية التى أتت بها هذه المشاعر.. فأفرزت العديد من أنواع الحب الدنيوى التى تفنن فى تسميتها وتصنيفها ..
فهناك الحب العذرى ، والرومانسى ، والحب من غير أمل ، والحب الحقيقى ، والمزيف ، والقاتل، وحب المصلحة ، وحب المادة ، والحب السياسى ، وحب المنصب ، وحب الرئيس المباشر فى العمل ، وحب النفس ، وحب الأنواع المختلفة من المادة ( كالخمر ، والمخدرات ، والنساء ، والسهر– والعياذ بالله - ) .............. الخ .
ومن الشائع .. أن معظم الناس تعود على أن الحب مرتبط بالنساء فقط .. فعندما تذكر كلمة الحب ، يتوقع الناس أن تستكمل حديثك عن قصة بطلتها أو ضحيتها امرأة .. وهذا أيضا من الأساليب والمفاهيم الخاطئة التى أدت الى تشويه هذه المشاعر الراقية .. الطاهرة .
والانسان .. اذا ضل طريق الهداية ، دأب على استخدام النعم التى أنعم الله بها عليه فيما يغضب الله ، بدلا عن التقرب اليه والسعى الى رضاه .. كما هو الحال فى استخدام العقل فيما هو شر ودمار للبشرية .. واستخدام الجسم فيما هو حرام .. واستخدام اللسان فيما هو معصية ...... الخ .
هل فكرنا فى أن الحب رابطة اجتماعية بين الآباء والأبناء ، والأخوة بعضهم البعض ، وفيما بين الأزواج .. والحب العائلى الذى يؤدى الى دعم صلة الرحم .. ؟؟ وهل فكرنا فى نتائج هذا النوع من الحب ونتائجه لصالح المحبين ..
هل فكرنا فى حب اخواننا فى الايمان ، والجيران ، والأيتام .. هل تأملنا فى حب السعى للخير ، وحب العدل وانصاف المظلومين ونصرة الضعفاء .. وحب الصدق والحق .. ؟؟ هل تأملنا حب العمل .. والاخلاص فيه .. ؟؟
هل خطر ببالنا حب الجهاد والشهادة فى سبيل الله .. ؟؟
وفوق كل ذلك .. وقبل كل ذلك ، هل تذكرنا ، وفكرنا فيما يعود علينا من نفع وسعادة اذا كان حب الله ورسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أحب الينا من الدنيا وما فيها وما عليها .. حتى من أنفسنا وأرواحنا وأولادنا .. ؟؟ وكيف نترجم هذا الحب الى عمل يكون سبيلنا الى الجنة .. ؟؟
نعم .. ان الحب من المشاعر الرقيقة الغالية ، التى تجمع بين الرقة فى الاحساس والقوة الذاتية للانسان فى نفس الوقت .. انه نعمة من الله سبحانه وتعالى .. لو أحسنا استخدامها ، لكانت أمانا ورخاءا واستقرارا ، وترابطا وقوة .. وكيانا عظيما نتباهى به بين الأمم ، ولكان بديلا يغنينا عن المخترعات الأخرى للانسان من قوانين ولوائح ومحاكم وقضايا وصراع وحروب ودمار ومعاناة .. أين أنت ياعالم الحب .. أين أنت يامشاعر الحب .. لقد قتلوك كما يقتلون أنفسهم ..

الأحد، 10 أغسطس 2008

الانسان .. والأمل

الانسان .. والأمل
الانسان .. هذا المخلوق العجيب صغير الحجم بالنسبة لكثير من المخلوقات الأقوى والأضخم ، ولكن عقله الذى وهبه الله اياه ، استطاع أن يسيطر على المخلوقات الأخرى ويسخرها – بفضل الله ومشيئته – لصالحه وفائدته ، بل واستطاع بالعلم أن يخرج من حيز الكرة الأرضية الى الفضاء ، ويبنى الأبراج العالية ، ويغوص فى أعماق البحار ، وأصبحت لديه القدرة على البناء والدمار ، الانتاج والتخريب ، فعل الخير والشر.
ولأن الله سبحانه وتعالى يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ، ويعلم أنه مخلوق معقد المشاعر كما هو معقد التكوين الفسيولوجى ، فقد خلق معه واحدة من المشاعر التى جاءت لتجسد صفة من صفات الخالق وهى " الرحمة " ، فخلق معه مشاعر الأمل .
والأمل هو ببساطة .. خلطة سحرية لاستمرار الحياة ، ولولا الأمل لانتهت مظاهر الحياة منذ الأزل ، لأن الأمل هو البناء والعطاء ، هو القوة التى تساعد الانسان على الاستمرار والصبر فى مواجهة المحن والمصائب ، ويعينه على تخطى أصعب الظروف .
فالأمل بالنسبة للمريض الذى يلازم الفراش ، ويطول به الانتظار .. هو الذى يمنحه القوة للتغلب على المرض والعودة للحياة من جديد ، وقد أجمع علماء الطب على أن الحالة النفسية والمعنوية للمريض ، ورغبته فى الحياة ، تلعب دورا هاما فى استجابة المريض للعلاج ، وسرعة الشفاء ...
والأمل بالنسبة للمحب الذى يسهر الليل الطويل منتظرا طلة من الحبيب ، تمنحه القدرة على السهر والانتظار ليلة بعد ليلة على ضوء القمر أو شمعة وحيدة ، حتى يظفر ولو بنظرة أو ابتسامة تجدد فيه الأمل بأن يجمعهما الله – يوما ما بالحلال – فى عش الزوجية.
واذا فقد الانسان الأمل فى الحياة ، فان ذلك سيؤدى به الى اليأس والاحباط ، وربما يؤدى به الى الهلاك بالانتقام أو ارتكاب المعاصى لتدمير نفسه ، أو التخلص من حياته كما يحدث لدى ضعاف الايمان فى الشرق والغرب ..
وعلى العكس ، فان الأمل يؤدى الى التفاؤل ، الذى ينعكس على وجه الانسان بالابتسامة الدائمة التى تمنح الوجه جمالا على جمال ، وتكون مفتاحا لقلوب الآخرين فيظفر بحبهم ، ولنا أسوة بالرسول الحبيب " صلى الله عليه وسلم " والذى اتسم وجه الكريم بالابتسامة ، وبشرنا بأن تبسمك فى وجه أخيك صدقة ، فهل هناك أجمل من هذه الثمرة التى نشأت من الأمل .
وعندما فتح الله أبواب رحمته دون حدود أو قيود ووعد سبحانه - ووعده الحق - بالمغفرة ، واستبدال السيئات بالحسنات لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ، فان الله أنعم بالأمل على أولائك الذين ضلوا السبيل ليغيروا مسارهم فى الحياة الى الطريق الصحيح ، وحسن الخاتمة والفوز بالجنة مثل من سبقوهم بالهداية والتقوى .. فما أجمل هذا الأمل ..
والأمل بالنسبة للشعوب المقهورة ، التى تتعذب وتعانى الظلم والقهر والفساد من حكوماتها ، او من حكومات أخرى جنت عليها .. فأنها تعيش على أمل الخلاص ، فاما أن يأتى الخلاص من السماء ، أو من أولائك المخلصين الذين لا يخشون فى الله لومة لائم ، الذين يحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبوا ، ويزنوا أعمالهم قبل أن توزن عليهم ووهبوا أرواحهم لاقامة العدل ..
نعم .. هناك الكثيرون يعانون ويتألمون ولكنهم صابرون ، صامدون رغم المحن ، يتطلعون بالأمل الى السماء ، رافعين أياديهم متوسلين بالدعاء .. الى خالق الأمل ..

الخميس، 7 أغسطس 2008

الانسان .. والهدف


الانسان ماهو الا كائن حى ، يعيش على الأرض بين ملايين الكائنات الحية المرئية وغير المرئية ، ولكنه يتميز عن سائر الكائنات بتكريم الله سبحانه وتعالى له بتصويره فى أحسن صورة ، وانعامه عليه بجوهرة ثمينة أودعها فى قمة جسده تسمى " العقل " .
والانسان نوعان .. اما أن يعيش حياته على الأرض - وهى سنوات طالت أم قصرت – بلا هدف ، وهو فى هذه الحالة اما فاقد العقل أو ناقصه ، أو مخلوقا عشوائيا يهيم فى الوقت الضائع على هامش الحياة التى يغادرها دون أن يترك أثرا أو ذكرى يشعر معها الآخرين بأن هذا الكائن الحى كانت له قيمة ما فى يوم من الأيام ، كأى كائن حى لا يرى بالعين المجردة ، نطأه بأقدامنا دون أن نراه أو نشعر به .
والنوع الثانى هو الانسان الذى ينشأ على تحديد الهدف ، ثم التفكير والتخطيط فى الوسيلة التى يحقق بها الهدف ، وأخيرا تقييم النتيجة ، ومن ثم وضع الهدف التالى للمرحلة التالية من حياته ، أى أن حياته مجموعة من الأهداف التى تناسب مراحل حياته الاجتماعية ، وتتطور معها ، حتى يغادر الحياة تاركا وراءه ما يجعل له ذكرى .
وليس بالضرورة أن تتحقق كل الأهداف ، أو يكون النجاح حليفا دائما للانسان ، أو أن يكون النجاح أو الفشل مطلقا ، وهى عوامل يحدد مداها مستوى العقل ، والقدرة على استخدامه ، والعوامل المحيطة ، بل وواقعية الهدف ...
والهدف .. اما أن يكون نبيلا وساميا ، وهو مايحقق الفائدة لصاحبه وللآخرين ، واما أن يكون هدفا شريرا وشيطانيا ، وهو ما يسبب الدمار والضرر وربما الفناء الجزئى أو الكامل ، والعامل المؤثر فى هاتين الحالتين ، هو طبيعة تكوين الانسان وقدراته والصفات التى اكتسبها خلال مشوار حياته منذ نعومة أظافره ، وبالتبعية فان وسائل تحقيق الهدف تتناسب مع طبيعة الهدف نفسه من حيث كونها وسائل شرعية ، نقية ، أو وسائل ملتوية غير شرعية ، خبيثة ...
وما أشرنا به هنا عن الفرد ، ينصرف أيضاع على الكيانات الاجتماعية المختلفة التى تبدأ من الأسرة التى تسعى لكسب الرزق وتوفير الحياة الكريمة لأجيالها القادمة بطريقة شريفة ، والمساهمة فى بناء المجتمع بالعلم والكفاح ، وتلك التى تسعى لامتصاص دماء الآخرين لتحقق الثراء الفاحش على أجساد الفقراء ، وليس للعاطفة أو الانسانية وجود فى مشاعرها الدموية ..
وتلك الدول التى تسعى لمحو شعوب صاحبة الحق فى الوجود والأرض ، لتقيم كيانا لها على جماجم هذا الشعب ، والأخرى التى تسعى للسيطرة على العالم أو مناطق اقتصادية بعينها لتزيد تعاظمها وجبروتها .. كما تمتص البعوضة دماء الانساء لتبقى وتعيش .. وتنمو ربما لاعتقادها أنها يمكن أن تصبح فيلا طائرا فى يوم من الأيام ..
وأيضا مجموعات الدول التى تتجمع وتندمج لتصبح قوة فى مواجهة التكتلات العالمية الحديثة أملا فى البقاء ، وتوفير الحد المناسب لكرامة شعوبها ..
الى هذا الحد .. سمعت صوتا خفيا يسألنى ، وماذا عن الأمة العربية ، هل لها هدف ؟ ماهو ؟ هل فكرت فى كيفية تحقيقه ؟ هل سنضمن كرامتنا فى السنوات القادمة بين ما يسمى بالتكتلات العالمية أو ما يدعى بالعولمة والانفتاح المخطط " اتجاه واحد " لصالح الآخرين ؟
والى هنا أدرك شهر زاد الصباح .. فسكتت عن الكلام المباح ..

الاثنين، 26 مايو 2008

الى كل مسئول كبير فى الدنيا ..


انتبه أيها المسئول الكبير ...
لأننى أحلم بالعدل ، وتحقيق الصالح العام ، واثراء المجتمع بالكفاءات الحقيقية التى يخفيها مساعدى المسئول الكبير عن عينيه ، ولأن هذه الكفاءات الحقيقية يمكن أن تغنى الوطن عن الاستعانة بكثير من الأجانب الخبراء أصحاب الرواتب والامتيازات اللامعقولة والتى نكتشف فيما بعد أنها عادية جدا ...
ولأننى أكره الفشل ، وهدم المؤسسات الناجحة ليعاد بناؤها من جديد بتكلفة مضاعفة وخسارة فى الوقت والجهد ، ولأننى أكره العمولات والهدايا – عفوا .. أقصد الرشاوى المستترة - ولأننى أكره الفساد والشللية والتعصب والعنصرية والتخلص من المخلصين بوصمهم بتهمة المتخلفين المعقدين أصحاب المشاكل ..
ولأننى لا أحب أن تشوه صورة المسئول المخلص الناجح الواعى بواسطة مساعديه ، ولأننى أتمنى له النجاح لتحقيق أهداف الوطن .. ولا أحب له أن يشارك – دون أن يدرى – فى جرائم الظلم والفساد والاضرار بالصالح العام ، ولأننى لا أحب أن يقف الموقف الصعب أمام الله يوم الحساب حيث يهرب من حوله المساعدين المنافقين الذين وضعوه فى هذا الموقف الصعب ، ولكنهم للأسف سبقوه الى جهنم لاستقباله بحفاوة الدنيا ولكن مع الفارق ..
ولأن كثيرا من القيادات السياسية والزعماء – ونحن نعرف بعضهم – ضاعوا وضاعت بلادهم التى احتلت فى أيام معدودة بسبب المساعدين الفاسدين المنافقين المضللين ، الذين أحاطوه بعكس الحقائق ، حتى استيقظ على الحقيقة المرة .. فكانت الصدمة التى أودت بحياته فجاة ، بعد أن كان فى كامل صحته وحيويته .. ومات ذليلا بالهزيمة ..
وتحضرنى بهذه المناسبة واقعة حقيقية كنت أنا محورها .. فقد أقترح أحد المسئولين ترشيحى لكى أكون مديرا لمكتب أحد المسئولين الكبار لخبرتى فى هذا المجال ، ثم استدعانى هذا المسئول – وكان مساعدا للمسئول الكبير – وأخبرنى بهذا الترشيح ، ثم طلب منى – بأسلوب النصيحة – أن أقوم بوظيفتى دون أن أثير أية آراء أو نصائح فى العمل لهذا المسئول لأنه لا يحب كثرة الكلام .. وكانت المفاجأة بأن أجبته بأننى اذا توليت هذه الأمانة فلن أسمح بأى قرار يبنى على معلومات خاطئة ، ولن أمرر الى المسئول أى موضوعات غامضة ، ولن أسمح لنفسى بأن أرى خطأ فى العمل دون أن أنبه المسئول اليه ..... الخ .
وكانت النتيجة .. أن ذهب هذا المساعد الى المسئول .. وأخبره بأننى لا أصلح لهذا العمل لأننى كذا ، وكذا ، وكذا ..... الى آخر المدى من الصفات التى جعلت المسئول الكبير يضعنى فى القائمة السوداء ، وأتلقى الصفعة تلو الأخرى ، انتقاما من قلة أدبى ... وبجاحتى.
أيها المسئول ، وياكل مسئول .. انتبه .. فأنا والله أحبك ، وأحب لك النجاح من أجل الصالح العام ، وصالح الوطن ، فخذ حذرك من مساعديك الذين يجيدون الكلام المعسول والسمع والطاعة والهرولة خلفك ، هؤلاء الذين سعوا اليك لمصلحتهم فقط ، ولا يؤلمونك بالحقيقة اذا استدعى الأمر ، فهم حريصون على راحتك دائما .. يريدون أن يروك مبتسما سعيدا لا تفكر فى أى شيئ ، فهم يفكرون ويسهرون الليالى بدلا منك ، وأجمل ما يتمنون أن يحملوا الهموم عنك .. اذا سافرت فهم فى صحبتك أو وداعك بالمطار .. واذا عدت ، فهم فى استقبالك للترحيب بك ، واذا ذهبت الى مكان ، فهم أمامك – مثل موتوسيكلات التشريفة – يشقون لك الطريق ، واذا نظرت نحوهم .. جاؤك جريا لسماع توجيهاتك أو طلباتك ، فتقول لهم " شكرا .. مش عاوز حاجة " لأن نظرك وقع عليهم بالصدفة .. وهم دائما يبعدون عنك المرتزقة والهمج والعشوائيون من القوم .. كما يبعدون عنك الذباب ..

ياسيدى وحبيبى المسئول ، المساعد الصالح ليس الذى دخل عليك بلحيته الكثيفة مرتديا ثوب الورع والتقوى ، والله وحده أعلم بقلبه وفعله فى الخفاء .. ولا من جاءك يحمل بعض الأوراق التى اشتراها من الجامعات الغربية وهو فى الحقيقة يسطو على المعلومات من صغار الناس المغمورين ليبيعها لك ، ولا الذى يسمعك أجمل الكلمات التى تسرك وتسعدك وترفعك الى عنان السماء ..
المساعد المخلص .. هو الذى يضع أمامك الحقائق حتى لو كانت مؤلمة ، ويشعرك بأنك تقف دائما على الأرض التى نضع عليها جباهنا خضوعا لله وخشية منه .. هو مرآتك التى ترى فيها نفسك دائما دون رتوش .. المساعد المخلص هو الذى تسعى أنت اليه .. ولا يسعى هو اليك .. الله أشهدك أننى بلغت .. اللهم فأشهد ..

الأربعاء، 7 مايو 2008

أنقذوا لغتنا الجميلة ..


أنقذوا لغتنا الجميلة ...
فى السنوات الأخيرة ، انتشرت ظاهرة غريبة فى مجال العمل ، اذ ظن البعض أن استخدام اللغة الانجليزية فى التعامل فيما بين العرب داخل مؤسسات وهيئات عربية وربما اسلامية ، هو مؤشر على التطور والرقى بصرف النظر عن الكفاءة والخبرة المهنية ، وعندما تسأل هؤلاء المتفرنجون عن الفاتحة والصمدية والمعوذتين ، ينظرون اليك فاغرين أفواههم وكأنك تسألهم عن معادلات فى العلوم النووية ، أو كأنك تحدثهم عن شئ على كوكب المريخ ، بل أن الأمر يصل ببعضهم الى النظر اليك كأنسان متخلف جاء من العصور الوسطى ...
وتذكرنى هذه الظاهرة ببعض السيدات اللائى كن يجلسن فى المناسبات الاجتماعية المختلفة ، مرتديات أفخم الثياب ذات الموديلات الغربية شبه العارية ، واضعات احدى الأرجل فوق الأخرى بمنتهى العظمة ، ممسكات بين أصابعهن بأفخر أنواع السجائر ، وتتحدثن مستخدمات بعض كلمات اللغة الانجليزية أو الفرنسية ، وعندما تتقدم الي احداهن بورقة مدون عليها بعض الكلمات باللغة العربية ، تكتشف أنها من الأميات اللائى لا يعرفن القراءة والكتابة واذا تعمقت فى البحث ، لأكتشفت أنها من أحط الأحياء الشعبية ، وأنها كانت تجلس فى صغرها بجوار والدتها على الرصيف لبيع الحلوى مع الذباب للأطفال ، مهرولة من آن لآخر هربا من حملات شرطة البلدية قبل القبض عليهن .. هؤلاء السيدات كانوا يسمهون " المتحزلقات " .
ويحضرنى فى أحد المرات أن أحد الزملاء فى العمل كتب الى ملاحظة باللغة الانجليزية - وأنا والحمد لله أجيدها - فكتبت اليه ردا باللغة العربية ، وأتبعته بملاحظة رجوته فيها أن يكتب الى فى المرات القادمة مستخدما اللغة العربية وهى لغة القرآن التى يجب أن نفخر ونعتز بها ، وأبديت تساؤلى " لما نتعامل نحن العرب فيما بيننا باللغة الأنجليزية " ؟ فكانت دهشتى البالغة عندما توجه هذا الزميل الى رئيسه المتفرنج مهددا برفع شكوى فيما كتبته الى أعلى المستويات الادارية ، وكأننى ارتكبت جرما .. فما كان منى الا أن ضحكت ، فكما يقولون " شر البلية ما يضحك " .
لا نريد أن ننسى أصولنا العظيمة ، لا نريد أن نكون كمن جاء من أعماق الريف فأرتدى الجينز الأمريكى ، فصار أضحوكة بين الناس ، أو كمن أرتدت آخر موضة من الفساتين التى كانوا يسمونها " الشوال " فأصبحت من ترتديها أسما على مسمى ...
واذا توقفنا أمام هذه الظاهرة ، ونظرنا الى المستقبل الذى ليس ببعيد ، نجد أن لغتنا الجميلة ، لغة القرآن الكريم مهددة بالضعف - ولا قدر الله – ربما بالانقراض لأسباب مظهرية ليس الا ، ولأننا لا نطالب المدارس والجامعات الأجنبية بأن تكون اللغة العربية والعلوم الشرعية مواد اجبارية فى مقرراتهم ، ولأننا لا ندرج اجادة اللغة العربية ضمن بنود الاختبار فى المقابلات المؤهلة للتوظف ، وألا تكون المراسلات الرسمية فى مؤسساتنا وهيئاتنا هى اللغة العربية ، وألا نستخدم اللغة الأجنبية الى فى التخاطب مع الأجانب الذين يجهلون اللغة العربية أو فى المراسلات الدولية مع الشركات والهيئات الأجنبية فقط ...اللغة العربية ، لغة القرآن الكريم ، التى نظمنا بها أرقى الأعمال الشعرية والأدبية والتى حصلنا بها على أعلى الجوائز العالمية ، وكرم عليها أدباؤنا فى المحافل الدولية .. أصبح البعض ينفر منها ومن مجيديها ومحترفيها ، تستغيث بأولى الأمر أن ينقذوها من المتحزلقين والمتحزلقات ، الأحياء منهم .. بعد الأموات ..

الثلاثاء، 29 أبريل 2008

سـر الهاربــــــــــة ...


ســر الهـاربة ...

انسابت المياه الصافية فى النهر الهادئ ، تعكس على صفحتها وجه القمر المكتمل الذى أضفى على المياه لونا فضيا رائعا .. يمر بين صفين من الأشجار على شاطئيه ، كأنهم حراس أشداء يقفون ليل نهار يستمتعون بالنظر الى مياهه العذبة .. ويحرسونه لقيمته وضرورته التى خلقها الله نفعا وسرا للحياة ...

وعلى احدى ضفتيه .. كان هناك منزلا صغيرا .. يبدو جميل الشكل بتصميمه الرائع الذى يدل على ذوق صاحبه الفنان .. كان يسبح فى الظلام الا من نافذة واحدة كان ينبعث منها ضوءا خافتا ، يغرى من يراه بحب الاستطلاع ..

كان الهدوء يلف المكان ، فيضفى عليه بما يحيطه من طبيعة جميلة .. هيبة ووقارا .. كرجل وسيم فى منتصف العمر ، أحسن اختيار ملابسه الأنيقة ، وتعطر بأفضل العطور .. ووقف فى صمت ووقار يتأمل جمال النهر وهو ينساب على البساط الأخضر فى رقة ودلال ...

فارس .. هذا هو أسم صاحب المنزل .. أخذ جانبا من قاعة الاستقبال ، التى حوت أثاثا كلاسيكيا جذابا بتصميمه وألوانه ورقة اختياره .. فجلس وحيدا فى أحد الأركان وبجواره مصباحا خافتا على طاولة صغيرة .. عليها منفضة سجائر من الكرستال النادر .. تحوى بعضا من بقايا السجائر التى أطفأها فارس خلال جلسته ذاك المساء ..

جلس فارس مسترخيا على كرسيه الوثير .. وقد أشعل لتوه سيجاره الفاخر يجذب منه نفسا عميقا ، ثم ينفثه فى الهواء .. ويتابع حلقات الدخان وهى تصعد هادئة الى أعلى قبل أن تذوب وتختفى فى سقف القاعة .. وكان قد ترك باب المنزل مفتوحا ليستمتع بالهواء المنعش القادم من النهر القريب ..

انبعثت الموسيقى الهادئة من أحد الأركان التى وضع فيها فارس جهاز تشغيل الاسطوانات التى اختارها بعناية فائقة .. ترتبط معظمها بذكرياته الجميلة التى يحب أن يسترجعها من آن لآخر فى ظل هذا الجو الرومانسى الرائع .. وأخذ يرجع برأسه الى الخلف حتى تستلقى على المسند الوثير العالى .. فيغمض عينيه متمتعا بذكرياته .. وخياله الواسع ، دون أن ينغص عليه وحدته أحد ممن لا يملكون مشاعر الرومانسية الراقية التى كان يعشقها ..

تسللت بخفة الفهود ورشاقة الغزالان عبر مدخل المنزل .. واقتربت من فارس دون أن يشعر .. ثم ألقت عليه تحية المساء ..

فتح فارس عينيه مندهشا من المفاجأة .. فاذا به فجأة أمام ملاك رائع الجمال ، وكأنما هبط عليه من السماء دون تنبيه أو انذار .. لم يصدق عيناه فى بادئ الأمر من المفاجأة .. ولكنه أدرك أنها حقيقة .. فنظر اليها متأملا ، مستفسرا ولكنها كانت على قدر من الزكاء .. ورأت فى عينيه العديد من التساؤلات المتوقعة .. فبادرته بتقديم نفسها اليه باسم وعنوان مستعار ، وأنها تقيم فى مزرعة مجاورة وتعمل لدى احدى الشركات السياحية .. وسألته عن امكانية الاستفادة من خدمات تلك الشركة ..

كان من الواضح أن حب الاستطلاع هو الذى دفعها الى اقتحام دنيا هذا الرجل الغامض .. وربما جذبها بحياته الرومانسية التى تهواها .. دون أن تقصد ، فأقتحمت عليه هدوءه وخلوته .. بهذه الطريقة .. وان كان هذا مجرد احتمالات لم تفصح هى عنها حتى اللحظة ..

لم تكن تتوقع أن يفاجئها فارس بالعديد من الأسئلة عن نفسها وليس عن شركتها أو الخدمات التى تقدمها .. فأرتبكت ، وأرادت أن تعتذر عن الازعاج وتستدير مسرعة بالهرب نحو الباب .. ولكن فارس كان أسرع منها .. فقفذ وراءها ، واستطاع أن يمسك بيدها بعد أن بلغت باب المنزل .. وأبلغها أنه لن يتركها تنصرف قبل أن يعرف الحقيقة ، ولماذا اقتحمت عليه عالمه .. وشرفته بهذه الزيارة الغريبة .. فلما لاحظت اصراره .. وشعرت أنها أصبحت أسيرة بين يديه ، وعدته بأن تكشف عن شخصيتها ، وسبب زيارتها .. فدعاها للدخول الى عالم الرومانسية .. وقبلت الدعوة ...

جلست على الكرسى الوثير بالجانب الآخر من الطاولة التى كان يجلس بجوارها .. وبينهما هذا المصباح الخافت ، يستمعان معا الى الموسيقى الهادئة التى أضفت على جلستهما سحرا خاصا ، لا يتذوقه الا من يعرفه ويعشقه ... سحب سيجارا من العلبة الفاخرة الموضوعة بجواره .. وقدمه اليها .. فمدت أصابعها الرقيقة وتناولته ، ثم أشعل لها السيجار ، فأتاح له ذلك أن يقترب منها ويشم رائحة عطرها الساحر الذى أوحى له بأنه قريب من باب الجنة ...

أفصحت له عن شخصيتها .. ولكن لم تخبره عن سبب الزيارة ، وأرجأت ذلك الى وقت لاحق من هذه الجلسة .. ثم بدأت تتحدث عن نفسها ، فاذا بها تحمل كافة الصفات التى كان يحلم بها دائما ، دون أن ينالها .. ويا لفلسفة القدر ..
كان ذلك دافعا لأن يتحدث عن نفسه أيضا .. فأكتشفا معا أنهما كيان واحد فى جسدين منفصلين ، ولكنهما يحملان نسخة واحدة من المشاعر والأحاسيس والعقل .. بل ويكملان صفات بعضهما بعضا ..

تبادلا الحديث فى العديد من الموضوعات .. وكانا متفقان تماما فى وجهات نظرهما .. ولم يختلفا فى شيئ يذكر ، وكان الحديث بينهما شيقا وممتعا الى أقصى حد .. حتى أنهما لم يتوقفا لحظة واحدة عن الحديث .. بل كان كل منهما يحملق باعجاب فى عيون الآخر ، منبهرا ومستمتعا بحديثه .. راجيا منه الاستمرار ، ومتشوقا أن يصل الى نهاية الحديث دون أن يدرك مراده ..

أحس كل منهما بسعادة غامرة .. وأدركا أنهما كانا يعيشان فى فراغ كبير وفى عالم غير عالمهما .. وكان لكل منهما معاناته ومشاكله .. فكانت هذه الجلسة بمثابة الهروب من ذلك العالم المزعج الى عالم التوحد والانصهار، من عالم الخلاف الى الاتفاق ، من الصراع الى المتعة ، ومن الوحدة القاسية فى العالم المزدحم بالغوغاء الى الصحبة الجميلة الهادئة .. ومن الضياع الى الأمان والاستقرار ، ومنح كل منهما السعادة والراحة النفسية الى الآخر .. وأحسا بأنهما كانا يسيران فى صحراء قاحلة تحت وهج الشمس الحارق .. وفجأة ظهر كل منهما للآخر .. حاملا بيده أبريقا من الرحيق البارد .. فأخذا يرتويان منه بجنون ودون وعى ..

مرت الساعات .. وكأنها لحظات أو دقائق .. كان حلما رائعا يتمنيان ألا يفيقا منه ، وكان كل منهما يشعر بلذة وطعم هذا الشراب الذى أخذ كل منهما يقدمه لأخر ، فينهل منه دون أن يشعر بالارتواء ..

اقترب الفجر .. وشعر فارس بنسيمه العليل الذى يحمل معه عبير الزهور المحيطة بالمنزل .. فأكتمل الجو الرومانسى ، وأراد فارس أن يسجل هذه اللحظات فى داخله .. فأسند رأسه الى الخلف ، وأغلق عيناه ، وكأنه يريد أن يحبس بداخلهما صورة الملاك الجالس بجانبه ، وأن يترك لخياله مزيدا من العنان للاحساس بالمتعة التى شعر بها للمرة الأولى فى حياته ..

وعندما فتح عيناه ملتفتا الى جليسته .. كانت الصدمة ، لم يجدها .. أختفت دون أن يشعر بأنصرافها .. لم يصدق ، التفت حوله كلمجنون باحثا عنها .. ثم استجمع انتباهه ، وقفذ من مكانه يبحث فى أرجاء المكان ، آملا أن يكون اختفاؤها نوعا من المداعبة .. ولكنه لم يجدها .. فخرج مسرعا من المنزل ، فاذا بها فى قارب صغير تعبر به النهر الهادئ الى الضفة الأخرى ، ملوحة له بالوداع .. فظل واقفا مشدوها ينظر اليها .. غير مصدق أنه قد أستيقظ من حلمه بهذه السرعة .. ولا يعرف كيف يستردها بعد أن ظن أنه قد أمتلكها الى ألأبد ..

ظل ينظر اليها غير مصدق .. حتى اختفت فى ظلمات النهر الى الضفة الأخرى .. وتركته حائرا ، مستشعرا الوحدة مرة أخرى ، عاد لآلامه وأحزانه ومعاناته .. انصرفت وبيدها أكسير الحياة قبل أن يصل معها الى حد الارتواء ، فاستسلم للأمر الواقع واستدار عائدا الى منزله يجر قدميه جرا .. ويسير متساقلا حالما بأن يسمع صوتها الرقيق يناديه .. لكنه كان وهما وأملا ضائعا .. ودربا من دروب المستحيل ، فقد هربت منه !!!

وصل الى كرسيه .. والقى بنفسه جالسا فى حالة من اليأس والضياع ، أشعل سيجارا ، وأخذ يجذب الأنفاس منه ويخرجها فى حالة عصبية بالغة .. متسائلا .. لماذا هربت ، هل كان منى مايغضبها ؟ وأخذ يحاسب نفسه ، فلم يجد تفسيرا لذلك .. تصارعت بداخله الأسئلة ، حتى شعر بالتعب والصداع ، فأطفأ سيجاره ، والقى براسه الى الخلف فى حالة من الاعياء الشديد .. بعد أن طاف بصحبتها فى عالم الرومانسية الحالمة .. ثم هربت بسرها دون أن تفصح عن السبب الحقيقى لزيارها .. وفجأة تنهد تنهيدة عميقة ، خرجت من صدره مشتعلة .. وهو يسأل نفسه حائرا ..

لماذا جئت لزيارتى ؟ ثم ذهبت فجأة بلا عودة ؟
مرددا .. منك لله .. وراح فى سبات عميق ..........

الاثنين، 28 أبريل 2008

نداء الى صديق ..


الى صديقى الصحفى المخلص .. الأستاذ / أمير

الذى شجعنى يوما على تجربة القصص القصيرة ..

ووعدنى بتجميعها .. ونشرها ..

وأرسلت له فعلا بعض أعمالى المتواضعة ..

ولظروف الزمن .. والحياة .. فقدت هذه الأعمال ..

وباعد الزمن بينى وبين صديقى .. وفقدت الاتصال به ..

أرجو منه اذا قرأ كلماتى هذه .. وكان مايزال يحتفظ بهذه الأعمال المتواضعة .. أن يرسلها الى على عنوانى التالى :


ولن أنسى له هذا الجميل ..

وله تحياتى .. وليتنى التقى به قريبا .. لأننى أفتقدته فعلا ..

سمو الأميرة


سمو الأميرة ...

كان ياما كان فى سالف العصر والأوان ..
ملك عظيم الجاه والسلطان ..
كان يدعى الملك نعمان ..
وكان الملك يقيم فى قصر حصين محاط بأسوار عالية ..
ولم يكن له من الأولاد سوى بنت واحدة ..
كانت رائعة الجمال ..
عجز عن وصفها الشعراء ..
وعن رسمها أى فنان ..
***

كانت الأميرة تقيم فى جناح خاص من القصر ..
ويسهر على حراستها أقوى الفرسان وأمهرهم ..
وفى يوم من الأيام ..
مرضت الأميرة !!!
وبمرضها .... أوقعت الملك فى الحزن والحيرة ..
فقد كانت تقضى الليل سهرانة ..
تبدو حزينة .. حيرانة ..
تتساقط الدموع على وجنتيها ..
وأصاب الاحمرار والأرق عينيها ..
لا تتكلم مع أحد ..
وليس لحزنها أمد ..
ولا تشكو من ألم أو داء ..
وليس لها فى الدنيا رجاء ..
وامتنعت عن الطعام ..
حتى أضحت لا تقوى على الكلام ..
***

جن جنون الملك .. وأستدعى وزرائه ومستشاريه ..
وطلب منهم أن يجدو له حلا لمرض الأميرة ..
والبحث عن طبيب خبير ..
يحدد الداء .. ويصف الدواء ..
وبدأ البحث عن الطبيب ..
***
قمر الزمان ..

كان هذا أسم الأميرة ..
بعد أن أصدر الملك أوامره للبحث عن الطبيب ..
أخذت المملكة كلها تبحث عن الطبيب حبا فى الأميرة ..
وفى أحد الأطراف النائية من المملكة ..
كان هناك كوخ صغير .. يقطنه رجل مسن ..
له وجه مشرق .. تزينه لحية طويلة بيضاء ، كبياض الثلج ..
لم يكن يملك من الدنيا سوى الحكمة والخبرة وطيب المعشر ..
فذهبوا اليه وسألوه عن طبيب ..
فسألهم عن السبب ..
فقصوا عليه حكاية الأميرة المريضة ..
فأخبرهم بأنه على استعداد لعلاجها ...
***

جمع الطبيب كتبه ، وأعشابه ، وأدواته ..
وذهب معهم الى قصر الملك ..
وما أن مثل أمام الملك حتى سأله :
" هل أنت قادر على علاج الأميرة ؟؟
فأجابه الطبيب الحكيم : بمشيئة الله يامولاى ..
فقال الملك : اذن أنت ضيفى فى هذا القصر ،
ولن تخرج منه الا فى حالتين ..
اما أن تعالج الأميرة .. أو أقطع رأسك ، فتخرج محمولا على محفة الموتى ..
فقال الحكيم الطبيب : توكلت على الله الشافى ..
فقال له الملك : لى شرط آخر .. وهو أن تعالج الأميرة من خلف ساتر ..
فلن تراها ..
فوافق الحكيم على شرط الملك ..
ولكنه طلب منه أن يعطيه الوقت الكافى حتى ينتهى من العلاج ..
فوافق الملك ..
واتفق الحكيم الطبيب على أن يبدأ أولى جلسات العلاج ..
اعتبارا من مساء نفس اليوم ..
***

قام الحرس باصطحاب الطبيب الى جناح الأميرة ..
كانت غرفة الأميرة بالغة الجمال والفخامة والرقة ..
يلفها الهدوء .. وينبعث من أركانها رائحة البخور الرائع ..
وكان يتوسطها فراش يرتفع عن الأرض قليلا .. ليعطيه هيبة وعظمة ..
كان قد أسدل حول الفراش ستارة من الحرير ذات اللون الأرجوانى ..
مطعم بحبات الذهب والماس ..
وظهر من خلف الستائر .. ضوء ضعيف باهت .. لا يظهر أى معالم فى الفراش ..
سوى خيال ضعيف يدل على وجود الأميرة مستلقية فى فراشها ..
وقد وضع بجوار الفراش كرسى وثير .. خصص للطبيب ..
فجلس الطبيب الحكيم .. وطلب اخلاء المكان من الجميع ..
فأطاعوا .. وانصرفوا على الفور ..
كان الجو العام للمكان بهدوئه واضاءته الخافتة يوحى بحرية الخيال ..
وانطلاقه الى اللانهائية ..
وبعد برهة من الصمت .. تحدث الطبيب ..
وكان صوته هادئا رخيما .. متزنا .. مفعما بالحنان ..
وكانت نبرة صوته تحمل كل معان الأمان ، والاطمئنان .. والحب ..
قال :
يا بنيتى .. ها أنا معك وحيدا ..
لا يرانا ولا يشهد علينا الا الله ..
وقد جئت من أجل شيئ واحد فقط ..
هو أن أسمعك .. ولن أقاطعك .. فتحدثى كما تشائين .. وبما تريدين ..
ولن تشعرى بوجودى وكأنك تتحدثين مع نفسك ..
وأعاهدك على أن كل ما يدور هنا .. هو أمانة فى عنقى أمام الله ..
ولن يعلم به انسان سوانا .. حتى لو قطعوا رأسى ..
تحدثى الى نفسك بصوت مسموع ..
ولن أغادر القصر حتى تتحدثى فى كل ما ترغبين ..
ولن أغادر القصر حتى تأذنين لى بالانصراف ..
واعلمى يابنيتى .. أننى عانيت الظلم كثيرا ..
سواء من البشر .. أو من الحياة ..
ولن أرضاه لك .. أو لأى انسان ..
وجلس فى صمت كامل ..
وفى سكون العابد ..
لا يكاد الانسان أن يسمع الا دقات قلب ضعيف ..
قلب الأميرة ..
ودقات قلب ملؤها الحنان والحب .. قلب الطبيب ..
مرت لحظات ..
ثم جاء من الفراش .. صوت رقيق .. رقة الفراشة ..
ناعم .. كنعومة الحرير ..
حلوا .. كأنه عزف الناى الحزين ..
وبرغم ما يعترى الأميرة من ضعف .. ووهن .. وحزن ..
الا أن ذلك لم ينتقص من عذوبة صوتها .. ورقته ..
فكان كعزف ملائكى .. حالم ..
انبعث كنسمات رقيقة .. داعبت أوراق الشجر ..
جاء من بعيد .. وتسلسل فى الظلام ..
فأضفى على المكان جوا من الرومانسية الطاغية ..
وبدأ الكلام ...

بدأت الأميرة فى الحديث .. وكان الطبيب آذانا صاغية ..
لم يقاطعها .. بل لم يشعرها حتى بوجوده ..
لم يمل حديثها ..
شعر بأن هذه الأميرة المحاطة بالجاه والسلطان ، والحرس ، والقصر العالى ..
ماهى الا انسانة .. تحمل قلبا رقيقا .. وحسا مرهفا ..
وعذوبة لا مثيل لها ..
لها مشاعر فنان ، ورقة تفوق الفراشة ،
تتحدث بالمنطق قبل الخيال .. وبالأمل قبل اليأس ..
وبالحب دون الكره .. قلبها كبير رقم صغره ..
لقد أضفت على هذه الجلسة .. جوا من الحنان والعذوبة والشاعرية المطلقة ..

استمرت الجلسات .. ليلة بعد ليلة ..
وأفرغت كل مافى صدرها من شجون وأحاسيس ..
وكانت كلما استطردت الحديث .. شعرت ببعض التحسن النفسى ..
وبدأت تسأل عن الطعام والشراب ..
وبدأ الدم يتدفق فى عروقها ، فبدأت تخرج من فراشها أحيانا ..
وتتحرك فى أنحاء الغرفة من آن لآخر .. بثيابها الفضفاضة .. وألوان جذابة ..
وكأنها فراشة أحسن الخالق تصويرها .. تسر الناظرين ..
رغم الاضاءة الخافتة التى لا تظهر ملامحها الحسناء ..
وشعر الطبيب بتحسن ملحوظ فى نبرات صوتها ..
وميلها الى الكلمات الباسمة أحيانا ..
وانعكس التطور النفسى الذى طرأ عليها بالسعادة والراحة على الطبيب ..
حتى أنه بدأ يتوق متشوقا الى جلساتها .. والاستماع اليها ..

شعر الطبيب بأن جلسات الأميرة أصبحت بالنسبة له ..
كنسمات رقيقة تلفح قلبه العجوز النائم منذ سنوات ..
فتنعشه .. وتعيد اليه شيئ من شبابه ..
وكان قد أحس قبل ذلك أن زمنه قد ولى ..
وأنه أصبح فى نهاية الطريق ..
ولكن قلبه أخذ ينبض بالعاطفة من جديد ..
لقد أحب فيها الأمل ..

ذات مساء .. أخبرته الأميرة أن حديثها قد انتهى ..
فوعدها خيرا .. وأوصاها بألا تتخلى عن الأمل .. فهو سر الحياة ..
وامتدح فيها جميل الصفات ..
فأحست بنبض الحياة من حولها .. وشعرت بفرحة داخلية لا تعرف مصدرها ..

طلب الطبيب مقابلة الملك نعمان .. فحدد له موعدا ..
وكان الملك قد علم ممن يحيطون بالأميرة ، بما طرأ عليها من تحسن طفيف ..
فشجعه ذلك على منح الطبيب فرصته للعلاج ..

وفى الموعد المحدد .. جلس الطبيب الى الملك .. ودار بينهما هذا الحوار ..
* : يا مولاى .. هل تحب ابنتك ؟
* : هى كل حياتى .. هى أغلى من نور عيناى ..
* : هل أنت على استعداد لشراء الدواء الذى يشفيها مهما كان ثمنه ..؟
* : ( دون تردد ) نعم .. ولماذا أحضرتك ..!!
* : دواء ابنتك يامولاى .. أسمه " الفارس مهران " .
* : ( تعجب الملك .. وطلب منه الايضاح " ..
* : الفارس " مهران " .. هو فارس شجاع .. كان يحرس الأميرة ، عندما كانت تخرج للنزهة فى الغابة .. وفى حدائق القصر .. وكان يخاف عليها ويحميها من أى خطر .. ولم تشعر بالخوف لحظة وهى فى صحبته ..
رأت فيه الأميرة مصدرا للأمان .. وفى خوفه عليها .. قمة الحنان ..
ولمست فيه صفات الشهامة والرجولة .. والشجاعة ..
وكان خجولا فى مواجهتها .. ولم يرفع عينيه اليها وهو يحادثها ..
حرصا على مشاعرها الرقيقة .. وحفظا لثقتك فيه ..
وكان أهلا للأمانة التى حفظها ...
فرأت فيه الأميرة فارس أحلامها ..
كان يرعاها .. ويحافظ عليها .. دون يقترب منها أو يسبب لها حرجا ..
رأت فى عينيه مرات قليلة .. وبالمصادفة .. معان جميلة وكثيرة ..
فخفق قلبها بعاطفة جارفة نحوه ..
وأحست بأنه الانسان الذى طالما حلمت به ..
وتمنت أن تكون معه الى الأبد ..

ولكن القدر .. الذى تمثل فى الوزير " نمرود " .. أبى أن يتركهما فى سلام ..
فأمر الوزير .. قائد الحرس .. بنقله الى الفيلق المتقدم على الحدود ..
فى مواجهة الأعداء ..
ليتخلص منه فى أقرب فرصة ..
وشعرت الأميرة بهذا الخطر .. وهذه المكيدة ..
وتخليت الأميرة ما يمكن أن يحدث لو فقدته ..
لقد كان الأمل الوحيد الذى تعيش من أجله ..
انه حلمها الجميل .. الذى أوقظها منه الوزير " نمرود " ..
فأصابها ما أصابها من علة ..
وفقدت الاحساس بقيمة الحياة .. بل وتمنت الموت فى لحظة من اللحظات ..
فأخذت تذبل رويدا رويدا .. كالزهرة التى فقدت الماء والهواء ..
لقد أظلمت الدنيا فى عينيها .. ولم تجرؤ على الحديث فى ذلك مع أحد ..
خوفا من غضب سموك يا صاحب الجلالة ..
وفضلت الموت على الحياة بعيدا عن الانسان الوحيد الذى أحبته ..

قام الملك من مجلسه ..
داعيا مستشاريه ، وحكمائه ..
وطلب منهم التحقق فورا مما سمعه من الطبيب ..
وبعد تقص وبحث .. أبلغوه بصدق ما سمع ..
فأستدعى على الفور الوزير " نمرود " .. وسأله :
· لماذا فعلت ذلك أيها الوزير .. ؟
· حرصا منى على مولاتى الأميرة ، وحفاظا عليها ..
· أما كان من الأجدر بك أن تخبرنى أولا قبل أن تتصرف فى مثل هذا الأمر الذى هو من شأنى وحدى ؟
· صمت الوزير .. مستشعرا عدم رضا الملك عن فعلته ..
· ( استطرد الملك ) : لولا حسن نيتك ، وطول خدمتك معى ، لأمرت بقطع راسك على الفور .. لأنك تسبب فيما أصاب ابنتى الأميرة التى كدت أفقدها بسبب تصرفك .. ولكنى سأعاملك بحكمتى ، وسأكتفى بعزلك من منصبك .. وسأولى من هو أكثر منك حكمة ورحمة ..

أمر الملك باستدعاء الفارس " مهران " ..
وأعلن زواج الأميرة " قمر الزمان " من الفارس الشجاع " مهران " ..
وأمر باقامة الأفراح فى المملكة أربعين ليلة ..
احتفالا بهذا العرس الميمون ..
فعم الفرح المملكة .. وأقيمت الولائم .. ووزعت الهدايا والعطايا ..
وصدحت الموسيقى فى أرجاء القصر أربعين ليلة ..
وانخرط الجميع فى الرقص والغناء .. وغمرتهم السعادة ..
الا واحدا ..

سأل الملك فجأة عن الطبيب ..
لم يكن هناك مع الحاضرين ..
لم يشاركهم الأفراح .. لقد أختفى ...
أمر الملك بالبحث عنه فورا ..
وانتشر الحرس فى كافة أرجاء المملكة للبحث عن الطبيب ..
بحثوا عنه فى كل مكان .. ولم يجدوه ..
فكان لغزا محيرا .. أصاب الجميع بالحيرة ..
وعلمت الأميرة ..
فحزنت حزنا شديدا .. وطلبت من والدها أن يبحث عن الطبيب حتى تكتمل فرحتها
فأصدر الملك أوامره باستمرار البحث .. ورصد مكافأة كبيرة لمن يعثر عليه ..
وأستمر البحث ..

أخذت المملكة كلها تبحث عن الطبيب المختفى ..
تحقيقا لطلب الأميرة .. وأستكمالا لفرحتها ..
وبعد أيام ..
عثر بعض الناس على الطبيب ..
كان يرقد فى كوخ صغير على النهر .. فى طرف المملكة ..
ولكنه كان يطل من بعيد على قصر الأميرة ..
على الجانب الآخر من النهر ..
كان مريضا .. معتلا .. يعانى الضعف من قلة المأكل والمشرب ..
كان شاردا .. حائرا .. لا يرفع ناظريه عن قصر الملك الذى يضم جناح الأميرة ..
متمنيا أن تطل عليه عبر الأفق بوجهها الملائكى .. ولو مرة واحدة قبل أن يموت

ذهب الجميع الى الملك .. وأخبروه بما شاهدوا ..
وقالوا له .. أن الطبيب قد أصابته العدوى من مرض الأميرة ..
لقد كانت له نفس الأعراض ..
وعلمت الأميرة ..
فتألمت كثيرا .. لقد كان سببا فى شفائها من دائها ..
لقد أحست نحوه بالراحة والأمان ..
وكانت تحس بآلام الطبيب .. لأنها عانت منها من قبل ..
كانت الأيام التى قضتها تحكى له من قلبها ، وتشكو له همومها .. قد تركت أثرا حميما فى قلبها .. ولم تكن تعرف ما معنى هذه المشاعر .. أو الى متى .. وما مصيرها ..
ولكنها كانت – بكل تأكيد – تشعر بالراحة البالغة كلما تذكرت تلك الليالى ..
وما دار فيها من حديث ..
كانت تشعر الأميرة .. أن الطبيب قضى الوقت الطويل ساهرا .. منتبها .. من أجل شيئ واحد .. هو علاجها .. والبحث عن سعادتها وراحتها .. دون أن يفكر فى أى مقابل .. سوى أن يرى ابتسامتها الرقيقة .. وقد عادت اليها بعد غياب طويل ..

ياله من شيئ رائع .. ومعان جميلة .. أحست معها الأميرة بالعرفان بالجميل ..
فقررت أن تعالجه .. كما عالجها ..
وأن تقف الى جواره .. حتى يشفى من دائه .. لكى ترد له الجميل ..
فطلبت من والدها أن يأذن لها بزيارة الطبيب العليل فى كوخه الفقير ..
وأحس الملك بمشاعرها النبيلة .. الراقية ..
فأذن لها بما أرادت ..
وطلب من معاونيه أن يذهبوا ويخبروا الطبيب العليل بأن الأميرة قادمة لزيارته بعد أيام قليلة ,,

علم الطبيب بالخبر ..
لم يصدق ما سمعه فى بداية الأمر ..
فبعد أن كان يحلم برؤية طيفها فقط ..
سيراها وجها لوجه .. ويتحدثان معا ..!!
ما أجمل أن يتحقق الحلم .. وأن يصبح حقيقة واقعة ..
وبالرغم من مرضه وضعفه .. الا أنه أحس بأنه عاد شابا من جديد ..
أحس بأن كل شيئ حوله أسبح جميلا ..
أحس بأنه عاد للحياة .. بعد أن شعر بسكرات الموت ..
لقد كان هذا الخبر بالنسبة له .. أكسير الحياة ..
وأخذ يحلم باللقاء المنتظر ..

انطلق بخياله بلا حدود ..
وكان قلبه يدق بصوت عال .. حتى كاد يسمعه ..
وبرغم كبر سنه .. وطول خبرته .. وتجاربه ،
كان يحمل نفس الأحاسيس التى يشعر بها الانسان عندما يلتقى بحبيبته للمرة الأولى فى حياته ..
تداخلت المشاعر ، تدافعت العواطف .. وتزايدت الانفعالات ..
حتى أصبح لا يعرف ماذا سيفعل عندما تقع عينه عليها للوهلة الأولى ..
وأصبح يخشى الارتباك ، وأن تفضحه عيونه ..
فتنال من وقاره .. وكبريائه .. وأحس بالخوف من الشعور بالضعف أمام عيونها .
وتمنى أشياء كثيرة .. وحلق به الخيال الى آفاق بعيدة ..
وظل يحلم .. ويحلم
يالها من أحلام جميلة ..

جاء الموعد ....
وتحركت الأميرة بموكبها وحراسها ، الى كوخ الطبيب ..
حتى اذا وصلت اليه ،
نادته برقة وحنان .. " أين أنت ياطبيبى العزيز ؟؟ "
فنهض من فراشه .. وفتح الباب .. ونظر الى الأميرة ..
آه ه ه ه ه ه ه ..آهة مكتومة خرجت من صدره ملتهبة بنار الشوق اليها ..
لم يصدق الطبيب عيناه ..
كانت كما تخيلها .. ملاك من السماء ..
الرقة فى أسمى معانيها ..
الوجه الذى يجسد الجمال ، والبراءة ، والرقة .. ..
العيون الصافية العميقة .. التى يحار الانسان فى قراءة ما تحويه من معان عندما ينظر اليها ..
كانت مثل لوحة فنية ، أبدع الفنان فى رسمها ..
تنبض بالحيوية ، والدفئ .. والحب ..
وعندما يراها من يتزوق الفن .. لا يملك الا أن يقف مشدوها صامتا .. خاشعا ، حالما متأملا فى معبد الجمال ..

لم يفق من خياله الا بعد أن بادرته الأميرة بسؤالها :
" مابك ياطبيبى العزيز ؟ "
فجال بنظره حولها ..
الخادمات والحراس .. والمرافقين للموكب ..
سلاسل وأصفاد قاسية تكبل مشاعره ، وتقيد لسانه ..
ولكنهم لم يكبلوا عيناه .. أو خياله ..
فأحتضنها بعيناه ..
وأختطفها بخياله من بين كل هؤلاء .. وطار بها فوق السحاب ..
فأحست هى فى نفس اللحظة برجفة هزت جسدها الرقيق ..
وتغلغلت نظراته فى أعماقها ..
فقد كانت تنظر الى عينيه .. وقرأت ما بهما ..

أفاق مرة أخرى على صوت أجش أرتعدت له فرائصه ..
" لماذا لا ترد على سمو الأميرة ؟؟ " .. كان قائد الحرس ..
فأحس الطبيب وكأن عزرائيل قد جزبه بعنف الى الخلف بعد دخل الجنة ..
ليخرجه الى الدنيا مرة أخرى ..
فقال الطبيب : " معذرة ياسمو الأميرة " .. ان سعادتى بحضورك الى هذا المكان المتواضع ، جعلنى عاجزا عن التعبير .. لكننى مدين بكرمك فى تشريفى بهذه الزيارة ..
فسألته الأميرة : " مما تعانى أيها العزيز ؟؟ "
فنظر اليها .. ولم يجب ..
ولكنها أحست بأنه يعانى من نفس الأعراض التى كانت تعانى منها سابقا ..
فأخبرته بأنها لن تنسى ماقدمه لها فى محنتها ..
وأنها لن تتخلى عنه .. بل ستبذل ما تستطيع لمساعدته على الخروج من محنته .
وأنصرفت ..

ذهبت الأميرة الى والدها ..
وشرحت له حالة الطبيب ..
وقالت له : " يا أبى .. كيف نرد لهذا الطبيب ما قدمه لنا من جميل ؟؟ "
وتشاورا معا ..
ثم أصدر الملك أمرا ببناء منزل جميل من أفخر أنواع الأخشاب فى جانب جميل من حديقة القصر .. بحيث يكون مقابلا لجناح الأميرة ..
وأمر باحاطته بالاشجار والزهور الجميلة النادرة .. وأشجار الفاكهة ..
وطلب بأن يكون كل شيئ داخل هذا المنزل وخارجه ينم عن الجمال والفن ..
وتجهيز المنزل بأفخر الأثاث .. لتوفير الراحة التى يستحقها هذا الرجل الطيب ..
ثم طلب من قائد الحرس الذهاب فى موكب جميل ، لاحضار الطبيب ليسكن هذا المنزل ..
وعندما حضر الطبيب .. توجه الى الملك ليعبر عن شكره وامتنانه لما قدم له ..
فقال له الملك : " لقد قدمت لى جميلا لن أنساه .. لقد أعدت البسمة والفرحة لى ولأبنتى .. وجمعت شمل حبيبان ، وهذا عمل انسانى عظيم .. لقد كنت سببا فى الأفراح والسعادة والخير الذى عم المملكة كلها ..
وهذا البيت .. هو أقل ما يمكن أن نقدمه لك حتى تكون قريبا من الأميرة ..
فلا تبخل عليها بالنصح ..
وستحتاج الى حكمتك دائما ..
وأنا لا أجد أفضل منك لأثق فيه ، ليرعاها .. ويعتنى بها ..
وهى من اليوم أمانة بين يديك ..
فشكره الطبيب على ثقته وكرمه ، ووعده بأن يكون أهلا لثقته .. وأن يصون أمانته ..

وفى صباح اليوم التالى ..
نزلت الأميرة الى حديقة القصر تتهادى كالفراشة بين الأشجار والزهور ..
لتنعم بجمال الطبيعة .. وسحرها ..
وعندما وصلت الى منزل الطبيب ..
وجدت أنه قام بحفر بعض أبيات من الشعر على باب المنزل ..

غناء البلبل يوقظنى ..
ونسيم الصبح يداعب أوراق الشجر ..
وخيوط الشمس تغازلنى ..
وعبير الزهر يغمرنى .. فيطول العمر ..
وخرير الماء يدغدغنى ..
واللون الأخضر من حولى ينسينى سنوات الفقر ..
وملاك الحب ينادينى ..
ونداء الأمل يشفينى من داء السحر ..
ورقة قلب تحيينى ..
ونظرة عين تروينى ..
وصباح الخير .. تكفينى ..

فابتسمت الأميرة .. وقالت : " صباح الخير ياطبيبى "
فنظر اليها الطبيب من النافذة مبتسما وقال :
صباح الورد يا................................. " سمو الأميرة "

الأربعاء، 16 أبريل 2008

شباب قطر


سؤال الى الشباب القطرى ...

هذا السؤال من أب الى أبنائه .. هذا ما أشعر به فعلا .. وهذا ما أتعامل به مع أولادى كصديق يخاطب العقل ، ولا أطلب من أولادى الاجابة الا بعد اعمال العقل والتفكير المتأنى والعميق .. كل ما أطلبه منهم ، أن تكون أفعالهم أو مواقفهم وفقا لقناعاتهم .. وأن تكون الاجابة فعلا ، لا قولا واذا كانت أعمالنا وتصرفاتنا نابعة عن قناعة وايمان .. كان الله راعينا ، والنجاح حليفنا ..
وحتى يكون سؤالى سهلا ومفهوما ، سأفترض صورتين عمليتين من الواقع .. قبل أن أوجه سؤالى .. حتى أعطى الفرصة لكل شاب قطرى أن يشعر ويحس ويتعايش مع السؤال قبل التفكير فيه .. بل وقبل الاجابة عليه ..
فلو أننا أمام أسرتين من أب وأم وأولاد ، انشغل رب الاسرة الأولى بعمله وسفره على حساب الاهتمام بأولاده ، بل ولم يعر اهتماما لتعليمهم ورعايتهم الصحية ، حتى انتهى بهم الحال بعد سنوات الى الاحساس بالضعف وعدم الولاء للوالدين والأسرة ، وانطلق كل منهم الى لعبه ولهوه مع أصدقائه .. وتركوا لرغباتهم العنان غير عابئين بسنوات العمر التى تجرى بسرعة بالغة .. حتى جلس الأب يوما ما وحيدا فى مجلسه .. يأتيه أصدقاؤه سائلين عن أولاده الرجال .. وأين هم من حوله .. أين ثمرة عمره .. فلم تكن لديه اجابة سوى النظر الى الأرض هاربا بوجه من سؤال أصدقائه ، تعتصره الحسرة على مافات ، وما وصل اليه أولاده ..
والأسرة الثانية .. قام رب الأسرة برعاية أولاده خير رعاية .. فأهتم بهم صحيا وعلميا ، وزرع فيهم القيم والأخلاق ، ووفر لهم فرصة التعليم فى أرقى المدارس والجامعات ، بل وأتاح لهم فرصة السفر الى الخارج لاستكمال التعليم العالى والبحوث العلمية .. ووفر لهم الحماية والأمن والأمان ، ولبى كل طلباتهم .. سهر الليالى من أجلهم ، وكان حلمه أن يراهم فى أرقى الوظائف وأعلى الدرجات ، وكانوا هم على قدر المسئولية فحققوا له ما تمنى .. فعادت عليهم الفائدة أولا .. ثم شرفوا والدهم ووالدتهم .. وكانوا فخرا لهما بين أصدقائهما ، فهذا ابنى ضابط كبير ، وهذه ابنتى طبيبة ، وابننا الآخر قاض كبير ، وابننا الأصغر حصل على درجة الدكتوراه مع مرتبة الشرف من جامعة كذا بأمريكا .. وهذه صورته وهو يمنح درجة الدكتوراه .. هل ترون كم كان جميلا .. انه ابننا .. وجلس رب العائلة فى مجلسه وبين أصدقاؤه وجيرانه يفخر بأولاده الجالسون من حوله .. وهم يدخلون على مجلسه واحدا تلو الآخر يقبلون يده فى تواضع وحب وتقدير .. معترفين بفضله وجميله .. فكان هو فى قمة سعادته .
هكذا تماما رب عائلتنا الكبيرة قطر .. سمو الأمير ، وسمو الشيخة الفاضلة حرمه المصون لم يبخلا على أبنائهما بكل شيئ وبأي شيئ .. الصحة ، التعليم ، حتى الجامعات الأجنبية أحضروها الى قطر حماية لأبنائهم وبناتهم من الغربة ومخاطرها .. استقدما أكبر العلماء من كافة أنحاء العالم ووفروا لهم كل السبل لنقل خبراتهم الى أبنائهم من الشباب القطرى .. الرياضة العالمية بكل فروعها .. الاعلام الراقى كمصدر هام للثقافة .. وفرا الأمن والأمان ، شاركا أبنائهما وبناتهما فى كل مناسبة تشجيعا لهم ، منحوهم الجوائز والمكافآت لتكون حافزا للآخرين .. والكثير الكثير من الحب والحنان فى أسمى صوره ..
فهل نستكثر عليهما الفرح والسعادة والفخر بكم ؟؟ هل نحرمهما من جنى ثمرة تعبهما وسهرهما وحبهما لكم ..؟؟ أليس من حقهما أن يفخرا بكم على المستويين المحلى والدولى بين شباب الدول المجاورة .. وشباب العالم ؟؟ أليس من واجبنا ياشباب اليوم وأمل المستقبل أن نحمل معهم مسئولية بناء بلدنا ونهضتها ، ووضعها فى المكانة المرموقة ..؟؟
لا أنتظر منكم اجابة على أسئلتى .. أنتظر منكم عملا نابعا عن قناعة لا حدود لها بأن قطر سترتقى بسواعد أبنائها من الشباب الأقوياء المخلصين ..

التواصل مع الشباب ...


كيف نقيم جسرا للتواصل مع الشباب ...


مما لاشك فيه .. أننا عندما نطرح مشروعا قوميا لفائدة بلدنا الحبيب .. يجب ان نفكر دائما فى كيفية دعم هذا المشروع ، ومتابعته ، وتقييمه من آن لآخر ، ومن ثم ازالة ما قد تعترضه من صعوبات ، وحل ما تعتريه من مشاكل ..
ولن يكون ذلك ممكنا الا من خلال اقامة جسر للتواصل مع أصحاب هذا المشروع القومى ، فتكون هناك المعلومة الواضحة والفورية التى على أساسها يتم التقييم والتطوير واتخاذ القرار المناسب فى الوقت المناسب .
والمشروع الذى أعنيه هنا .. هو الحملة المباركة من القائمين على الدولة لتقطير الوظائف بدعم مبارك من سمو الأمير المفدى .. حفظه الله .
ومن خلال معاملاتى اليومية مع أبنائى من الشباب القطرى لمست عدم وضوح الرؤية بالنسبة لجهة المراجعة فى حالة رغبتهم فى الحصول على الدعم النفسى والمعنوى ، أو حل ما قد تصادفهم من مشاكل ، أو تعرضهم لأية مضايقات أو اهمال فى التعليم والتدريب ممن يحيطون بهم .. فمنهم من قال أنه يرجع الى ادارة الموارد البشرية بالجهة التى يعمل بها ، والآخر قال أنه يراجع أكبر مسئول قطرى فى المؤسسة ، بينما يلتزم البعض الآخر بالصمت رغبة منه فى تجنب الدخول فى مشاكل مع زملائه أو رؤسائه .. ولكنه فى نفس الوقت يبحث عن مكان بديل .. أى الهروب .. وهذا أضعف الايمان ..
ومن هنا .. كان اقتراحى بتخصيص برنامج أسبوعى تحت مسمى " مع الشباب " مثلا وتكون مدته – فى بادئ الأمر - نصف ساعة على الأقل على قناة قطر الفضائية يتناول الفقرات الآتية :
· استضافة بعض علماء الدين لبيان دور الشباب وما يجب عليهم فى خدمة وطنهم بالعلم والعمل ، والمراجع الدينية التى تحث على ذلك .
· استضافة علماء النفس والادارة لابداء النصح والارشاد لانجاح تجربة التقطير ، والتغلب على معوقاتها وصعوباتها .
· استضافة النماذج الناجحة والمشرفة من الشباب القطرى ، ليعرضوا بأنفسهم تجاربهم الناجحة ، وكيفية التغلب على ما صادفهم من مشاكل .
· تلقى رسائل الشباب حول مشاكلهم ، وآرائهم ، ومقترحاتهم ، واستفساراتهم فى هذا المجال
· عرض التجارب الناجحة دوليا وأقليميا فى مجال توطين الوظائف أو نهضة أوطانهم .
مختصر القول ، بأنه لابد من وجود حملة اعلامية ، ونافذة للحوار مع الشباب ، ومتنفسا لهم لعرض ما يدور بعقولهم ليكون مرشدا لنا فى تطوير التجربة وانجاحها بأذن الله .

تقطير الوظائف - الجزء الثانى

تقطير الوظائف بين الاحصاء والواقع .. ( الجزء الثانى )

ما أن تم نشر الجزء الأول من مقالى حول هذا الموضوع ، حتى تلقيت بعض الآراء المرتجفة والتحذيرات من رد الفعل على ما كتبت ، لأننى كما يقولون أدخلت نفسى فى حقل من الألغام أو الأشواك .. خوفا من احتمال أن يكون هناك من سيفهم كلامى – عن غير قصد – من زاوية غير صحيحة ..

وكان ردى عليهم ، بأننا نعيش اليوم فى قطر عصرا من الشفافية والحب ، مع اناس يؤمنون بالكلمة الصادقة ، ويحبون كلمة الحق ، يقدمون فى مشاعرهم حسن النية دون غيرها ، وينظرون الى أمور وطنهم بعين العقل والحكمة .. وفى هذا المناخ الصحى ، لا مجال للخوف .. لا سيما اذا كان الهدف هو الصالح العام ..

عودة الى موضوعنا .. حول الأسس العلمية الواجب مراعاتها لانجاح تجربة التقطير ، لضمان جنى ثمارها لصالح الوطن والمواطن ، ويجب أن نسلم جميعا بمبدأ أنه لا يوجد من يفوق حبه لقطر سوى المواطن القطرى الذى يحلم بأن تكون قطر أعظم دولة فى العالم ..

وفى اعتقادى ، أن مشروع التقطير يجب أن يسير وفقا لخطة طويلة الأجل ، وأخرى قصيرة الأجل ، فعلى المدى البعيد .. يجب أن تتضمن مقررات التعليم بالمدارس الأولية ، بل وفى كافة المراحل المواد التى تنمى فى الطالب أهمية الشعور بالانتماء الذى يؤكده العمل الايجابى ، والفخر بالعمل لبناء الوطن ، وشرح أساليب المساهمة فى هذا البناء فى كافة المجالات ، مع دراسة التجارب الناجحة فى البلاد الأخرى وما حققته من نتائج ، وأن يكون التركيز على مبدأ شرف العمل لخدمة الوطن ، وأنه مامن انسان سيبنى الوطن أفضل من أبنائه .. وأن تهتم الادارات المشرفة على التعليم برصد الجوائز وشهادات التقدير للأعمال الفنية والثقافية التى تجسد وترسخ هذه المفاهيم ، وأن تشجع الطلبة على اعداد أبحاثهم فى هذا المجال ، حتى لو تطلب الأمر منح درجات اضافية على المجاميع فى الشهادات العامة لمن يبرز دورهم من الطلبة فى هذا المجال عن ايمان وجدارة ..

وعلى المدى القريب ، أى فى الوقت الحالى .. فقد لاحظنا أن الدولة قامت من جانبها بانشاء مركزا متخصصا لتدريب وتأهيل الكوادر القطرية للعمل .. وبالرغم من أهمية هذا المشروع الناجح والمبادرة العلمية من جانب الدولة .. الا أن مواد التدريس فى هذا المركز تغطى الأساسيات والعموميات دون تفاصيل التخصصات المختلفة ، وهذا أمر طبيعى ، فالهدف هو وضع القاعدة الأساسية للعمل ، وترك اختيار مجال العمل للمتدرب وللفرص المتاحة ..

واستكمالا لمبادرة الدولة فى مجال التدريب .. فاننى أرى ضرورة تضافر جهود المؤسسات والهيئات المختلفة باتخاذ الخطوة المقابلة ، وذلك بالتزام كل مؤسسة أو هيئة أو وزارة بانشاء مركزا للتدريب ، يقوم عليه أصحاب الخبرة ، واختيار أصحاب الخبرة من المدربين القادرين على نقل معلوماتهم وخبراتهم بأسلوب ميسر وبسيط ومتخصص الى أبنائنا القطريين ، وبأدق التفاصيل لتجهيزهم للمستوى المهنى النهائى للقيام بواجباتهم داخل كل مؤسسة .

ومن الجدير بالذكر .. أن هذه المراكز ستكون مطالبة فى نهاية كل دورة – الى جانب التقييم العلمى لكل متدرب – بأن تبدى توصياتها حيال أفضل المواقع التى يمكن أن يعمل بها المتدرب داخل المؤسسة وفقا لقدراته وميوله الشخصية .. لأن هذا المعيار من أهم عوامل النجاح فى العمل ، وهذه التوصية تعد أحد المهارات الواجب توافرها فى المدرب المختار .

وعلى صعيد الاعلام .. يجب أن تكون هناك برامج تليفزيونية واذاعية موجهة من المتخصصين لابراز التجارب الناجحة لهؤلاء الشباب واعتبارهم مثلا يحتذى للآخرين ، وطرح ما قد يصادف البعض من مشاكل ومعوقات فى التجربة ، ومتابعة حل هذه المشاكل مع الجهات المسئولة ، وعدم ترك الشباب يصارعون الأمواج العاتية دون داعم ومعين .. ثم يتهمهم البعض بالتقصير والفشل .. دون أن نأخذ فى الاعتبار ظروفهم المحيطة .

ولا يجب أن نغفل جانبا هاما من التجربة ، فهؤلاء الشباب فى بداية حياتهتم لهم من المسئوليات والطموحات المهنية والاجتماعية ما هو مشروع وضرورى .. فمثلا الجانب المادى .. يجب ألا يترك لكل مؤسسة الحرية فى تحديد الحد الأدنى للراتب والبدلات ، فتكون صدمة لبعض الشباب أن المقررات المالية للوظيفة لا تتناسب مع احتياجاته الضرورية والأساسية ، فيكون ذلك سببا فى هجرة موقعه الى موقع آخر أفضل ماديا .. ويظل الشاب طائرا بين المؤسسات المختلفة دون أن يعمق خبرته ، ويحدد تخصصه .. أى نفتقد الى عنصر الاستمرارية لفائدة الشاب والمؤسسة فى آن واحد .

وفى هذا الاطار يجب أن نفكر بشكل أو بآخر فى وضع معايير موحدة لكل مؤهل علمى وتخصص مع سنوات الخبرة .. خاصة بالنسبة للمؤسسات الكبرى التى لديها القدرة المالية على الأخذ بهذه المعايير .. مع وجوب التزام المؤسسات بذلك باعتباره واجبا قوميا .

وعلى الجانب الآخر .. لا يجب أن نترك للشاب حرية التنقل بين المؤسسات والهيئات التى نال فيها قسطا من التدريب النظرى والعملى ، وبات من حق المؤسسة أن تجنى ثمار جهدها فى الاستفادة من عمل هذا المواطن .. بدلا من تدريبه وتأهيله لشغل وظيفة ما ، واكسابه المهارة والخبرة فى تخصصه .. ثم تفاجأ بأنه غادرها بعد أشهر قليلة الى موقع آخر .. فتبدأ المؤسسة من نقطة الصفر مع متدرب آخر وهكذا .. ولعلى أطرح هذه القضية على المسئولين الذين هم أدرى منى بالصالح العام بحكم مواقعهم الرسمية .. كيف نضع حدا أدنى لفترة عمل المواطن الذى تم تدريبه لدى أحد المؤسسات المتخصصة ، كأن تكون ثلاث الى خمس سنوات مثلا .. حتى تبذل المؤسسة قصارى جهدها فى تعليم وتدريب موظفها القطرى ، لأنها ستطمئن الى استمراره معها لفترة مناسبة ، وأنها لن تكون معبرا الى مؤسسة أخرى ..

ان وضع أهداف محددة بنسب لتوطين الوظائف ، ومتابعة التزام المؤسسات والهيئات بهذه النسب شيئا هاما وضروريا .. ويجب أن يحترمه الجميع .. ولكن يجب علينا فى نفس الوقت أن نهتم بنفس القدر من الاهتمام بنجاح التجربة وتحقيق اهدافها فى بناء وطننا الحبيب .

ربما يكون هناك جزءا ثالثا لهذه السلسلة من المقالات ، تدور حول التجارب الناجحة لتوطين الوظائف ، وبعض التجارب فى البلدان الأخرى ونتائجها ، اذا ما لاقيت قبولا لهذه الفكرة من أولى الأمر ..... وعلى الله التوفيق ..

تقطير الوظائف

تقطير الوظائف بين الاحصاء والواقع ..

الاهتمام بتوفير فرص العمل للشباب القطرى فى مؤسسات الدولة الحكومية والخاصة أمر طبيعى ومنطقى فى ظل ارتفاع عدد الخريجين والخريجات من شباب الوطن كل عام ، وربما تزايد عدد الباحثين عن العمل فى وطن أنعم الله عليه بالخير الذى ينعم به عدد لا يستهان به من الجنسيات الأجنبية والعربية ، ومن الأولى أن يذهب الخير لأهله ..

ولا يعنى هذا نكران الدور الهام الذى لعبه هؤلاء الأجانب فى بناء قطر الحديثة ، لاسيما فى مستهل حركة البناء والتطور التى شهدتها سنوات ما بعد الاستقلال .. ولكن أن يستمر الاعتماد على الخبرة الأجنبية على نطاق واسع الى ما لانهاية .. أمر يستحق وقفة ..

وفى اطار الحملة القومية المباركة التى أطلق اشارتها سمو الأمير المفدى حفظه الله لمنح فرص العمل لأبناء الوطن فى كافة المجالات ، انتاب البعض مشاعر الأمل والسعادة .. بينما انتاب البعض الآخر مشاعر القلق والخوف على مستقبلهم فى مواقع عملهم من مزاحمة الشباب القطرى لهم فى أرزاقهم ، ونسو أن الرزق بيد الله ، وأن أمانة المهنة فى كل موقع تستوجب أن يسلم كل واحد منا موقعه لواحد من أبناء الوطن كحق طبيعى يجب أن نعترف به .. وأن نكون مخلصين أمام الله فى نقل خبراتنا بأمانة لهؤلاء الشباب ، وأن نؤمن بأن هو أقل ما يجب أن نعبر به عن عرفاننا بجميل هذا البلد الطيب الذى فتح لنا زراعيه بالحب والرعاية والأمن على مدى سنوات وسنوات ..

وفى هذا الاطار أيضا تباينت وتعددت الاتجاهات والآراء بين صوت عال يؤيد ، وصوت هادئ ينبه ويوجه ، وصوت هامس يحذر ويستنكر .. ولكل أهدافه ومصالح الخاصة .. ونسينا أن نثرى التجربة بالنصح والعقلانية والتوجيه العلمى لضمان نجاح هذه الحملة ، فليس كافيا لاسعادنا أن نفرح بتزايد عدد من يتم تعيينهم يوميا من الشباب القطرى ، وأن نستعرض الاحصائيات التى نعتبرها مؤشرا للنجاح .. بقدر ما يتعين علينا أن نكون أكثر سعادة بنجاح هؤلاء الشباب فى مواقعهم ، واسهامهم فعليا فى بناء الوطن الحبيب .
وقد يسأل البعض بنظرات الاستفهام عما أقصده بهذه الكلمات .. وهل أنا ممن يشجع أو يشكك أو يعرقل المسيرة أو يحاول القاء سحابة من الخوف على التجربة .. أو أنها مجرد فلسفة لا طائل منها ..

اليس من واجبى كانسان عاش مع اسرته فى هذا البلد الكريم المضياف خمسة وعشرين عاما ، خدم فيها باخلاص وحب ابتغاء مرضاة الله ، ولد أبناء على أرضه الطيبة ، وتعلموا فى مدارسه ، وتخرجوا من الجامعة ، ونمت فيهم الاحاسيس الصادقة بأنهم أبناء هذا البلد فعلا .. فكان ينتابهم الحنين للعودة بعد اسبوع واحد فقط من قضاء أجازتهم السنوية فى وطنهم الذين ينتمون اليه .. قائلين " خلاص يابابا زهقنا .. عاوزين نرجع بلدنا قطر " وأقسم بالله على ذلك ..

اليس من واجبى ، أن أضع خبرتى المهنية على مدى أربعين عاما ، وثقافتى وعلمى ودراساتى الحرة والأكاديمية فى خدمة هذا الوطن عرفانا منى بالجميل .. لا سيما وأننى تجاوزت الستين من عمرى ، واقتربت من لحظة الوداع الصعب لهذا الشعب الطيب الذى أحبنى وأحببته على مدى ربع قرن من الزمان .

ولن أدعى أننى أفكر فيما لم يفكر فيه غيرى .. أو أننى عالما بما لايعلمه الآخرين .. أو أن رأيئ هو عين الصواب .. فالمخلصين كثيرين .. ومن هم أكثر منى علما وخبرة أكثر وأكثر .. ولكننى أريد ببساطة أن أعبر عن مشاعرى بابداء النصح من خلال خبرتى العملية ، ومشاهداتى فى مواقع العمل لتجربة تقطير الوظائف وما يعتريها من صعوبات ونجاح .. وفشل فى بعض الحالات ..

وسوف أوجز وجهة نظرى فى بعض الأسئلة التى سأطرحها فى الأسطر التالية ، والتى ستكون منطلقا لابداء وجهة نظرى لانجاح تجربة تقطير الوظائف ، وجنى ثمارها لصالح الشباب والوطن فى آن واحد :

· هل من الحكمة أن نفكر فى تجربة التقطير كما بالاحصائيات ، أم عمليا بنجاح التجربة عن طريق المتابعة ؟
· هل من الصواب أن نقوم بتعيين الشباب فى مجال عمل معين يحتاج لاعداد مهنى يمثل قاعدة للانطلاق فى العمل على أسس علمية سليمة ، دون تجهيزهم لذلك ؟
· ما هى وسائل تجهيز الشباب مهنيا لكل مجال من المجالات ، وهل يقع ذلك عاتق الدولة أم مؤسسات العمل المختلفة ذاتها ؟
· هل هناك من حل لالتحاق الشاب بالعمل لفترة زمنية ربما كانت كافية أو غير كافية لاتقان تخصصه قبل أن يترك عمله فجأة للعمل لدى جهة أخرى ربما كانت استمرارا لنفس التخصص أو تخصص مختلف تماما .. لمجرد الحصول على دخل وامتيازات أكبر ؟
· هل ينبغى أن تكون هناك ضوابط معينة لضمان استمرار الشاب القطرى فى تخصصه للوصول الى القدر المناسب لمنفعة الدولة ؟
· كيف نتأكد من أن ثقافة العمل لدى الشباب القطرى فى الوقت الحالى كافية لنجاحه ؟

واجب الشباب ...


عزة الوطن .. باجتهاد أبنائه
أهدى هذه القصة – التى كنت أحد أبطالها – الى كل شاب قطرى ، كتجربة واقعية تثبت أن عزة الوطن لا تتحقق الا باخلاص واجتهاد أبنائه .. وأنا أثق أن أبناء هذا الوطن قادرون على رفع رايته واعلاء شأنه بأذن الله ...
قامت جمهورية مصر العربية بانشاء أول دار لطباعة النقد بالشرق الأوسط ، والثانية على مستوى القارة الأفريقية بعد مثيلتها بجنوب أفريقيا فى أوائل الستينات .. وتعاقدت على ذلك مع أحدى الشركات الكبرى المتخصصة فى المانيا الغربية ، وقام البنك المركزى المصرى بتعيين نخبة من أوائل دفعاتهم بالكليات الفنية كالفنون التطبيقية والفنون الجميلة بالاضافة الى عدد من أصحاب الخبرة فى مجال الطباعة السرية ذات القيمة ، ثم أوفدتهم جميعا الى المانيا الغربية للتدريب العملى لمدة ستة أشهر ..
تطلب المشروع فى بدايته الاستعانة بأثنى عشر خبيرا فنيا من المانيا فى مختلف التخصصات الأساسية لضمان نجاح المشروع ، تحت اشراف كبير خبراء بدرجة مدير عام الشئوون الفنية وقامت ادارة البنك من جانبها بتعيين فنى مصرى مرافق لكل خبير أجنبى لمعاونته فى العمل ، وبدأ الانتاج الفعلى عام 1966 ، حيث تم تسليم الدفعة الأولى من الانتاج فى فبراير عام 1967
وفى شهر يونيو من نفس العام ، قامت اسرائيل بعدوانها الغادر على مصر وبعض الدول العربية المجاورة لها ، وما ان بدأت الحرب ، حتى قرر الخبراء الألمان مغادرة مصر فورا خوفا على أرواحهم ، وهربا بحياتهم .. وفعلا غادروا مصر الى المانيا .
وعلى الفور عقدت ادارة البنك اجتماعا عاجلا مع مساعدى هؤلاء الخبراء من الفنيين المصريين الذين أكدوا على استعدادهم لتحمل مسئولية استمرار العمل بنفس الكفاءة ، بل تطور الأمر بعد ذلك الى قيامهم بتطوير بعض أساليب العمل لزيادة الانتاج وخفض التكلفة دون أن يؤثر ذلك على جودة ودقة الانتاج .
وما أن انتهت الحرب وصدر قرار مجلس الأمن بوقف اطلاق النار ، حتى عاد الخبراء الألمان لاستلام عملهم .. الا أن ادارة البنك أبلغتهم بالاستغناء عن خدماتهم ، وطلبت منهم الرحيل مشكورين بعد أن صرفت لهم مكافات مناسبة ، ومنحتهم كتب شكر على ما قدموه من جهد وخبرة لاخوانهم المصريين ، وكان هذا الموقف مفاجأة لهم ، حيث توقعوا أن يتوقف العمل فور مغادرتهم .. فطلبوا من الادارة أن يقوموا بالمرور على كافة الأقسام ليطمئوا الى سلامة العمل قبل رحيلهم .. فوافقت الادارة ، وكانت المفاجأة أن معاونيهم من أبناء مصر وشبابها ، أثبتوا أنهم على مستوى المسئولية ، وأنهم لا يقلون عنهم كفاءة رغم قصر مدة الانتاج الفعلى قبل رحيلهم .
ان حكومة قطر الرشيدة .. وفرت كافة الامكانيات الصحية والخدمية والعلمية ، واستقدمت أفضل الكفاءات فى كافة المجالات ومن كافة أنحاء العالم لنقل خبراتهم لشبابها وأتاحت لهم فرص العمل فى كافة المواقع لتكون تجربة وممارسة عملية لهم ، يشقون طريقهم بما نالوه من علم ورعاية حتى يثبتوا أنهم لا يقلون عن غيرهم عقلا ووعيا وثقافة وعلما وكفاءة ، وأن يقبلوا التحدى بتحمل المسئولية تجاه وطنهم الحبيب ، وانهم لفاعلون بأذن الله .

من سمات القائد .......

من سمات القائد الناجح ......

القائد اما أن يصل الى موقعه بأختيار السلطة صاحبة القرار ، او بالتدرج الوظيفى الطبيعى .. فاذا كان بأختيار السلطة .. اما أن يكون عن تقييم دقيق لكفاءته وآدائه المهنى أو للكفاءة المهنية بالاضافة الى سماته الشخصية ، واما لاعتبارات أخرى لا علاقة لها بهذا أو ذاك .
أما الوصول الى القيادة بالتدرج الوظيفى الطبيعى يعد أمرا أقرب للخيال من الواقع لاسيما فى العالم الثالث .. لأن الرئيس المباشر فى العمل لن يسمح بدخوله فى دائرة الضوء لأن ذلك سيكون على حسابه شخصيا من منظوره الأنانى الخاطئ .. غير العلمى فدائما يضغ نفسه فى صورة المسئول المطحون الذى يعمل كل شيئ ولا معين له مستغلا علاقته الطبيعية بالادارة العليا التى لا تستمع الا له .. لأن وقتها ثمين لا يتسع لغيره من الرعية الغوغاء ..
والحالة الوحيدة التى يمكن معها أن يكون الحلم حقيقة بالوصول الطبيعى والمهنى الى مقعد القيادة ، هى تمتع الرئيس المباشر بالايمان المطلق بالله ، والخوف من حساب الضمير ومحاسبة النفس ، فضلا عن الادارة العليا الواعية التى لا تعطى أذنها للمقربين فقط ، دون أن تخرج من برجها العاجى - ذى الأضواء الهادئة ورائحة البخور والعطور .. والجو الرومانسى الحالم الذى يوفره المحيطين من المنتفعين بعزلة الادارة العليا - ليتفقدوا أحوال الرعية بحكم مسئوليتهم أمام الله ، وعملا بحديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، كلكم راع وكل راع مسئول عن رعيته .. وأقتداءا بحكمة واخلاص أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه وأرضاه والذى كان يمر فى جنح الظلام يتلمس الحقيقة عن أحوال الرعية ليعطى كل ذى حق حقه ، بعيدا عن التقارير المنمقة الوردية .. وهو ما يعد نادرا فى عالمنا الثالث فى زمننا الحالى الذى تقلب فيه الحقائق ، ويحارب المخلصون ، ويرتع الظالمون بأهوائهم ، متمتعين برضى المسئول الكبير ..
وحتى نضاعف من مسئولية الادارات العليا أمام الله .. ونصعب من حسابهم فى الآخرة .. سوف نسوق بعضا من السمات التى يمكن لهم مراجعتها على من حولهم من القيادات فيكون من السهل عليهم اتخاذ القرار فى بقائهم أو التخلص منهم واختيار من هو أصلح ، فأكبر المصائب للمسئول تأتى من البطانة الفاسدة ، والمصيبة واقعة أن آجلا أو عاجلا ..
فالقائد يجب أن يتمتع بالايمان الحقيقى وليس المظهرى ثم بقوة الشخصية التى تقابلها محبة الآخرين وليس الخوف منه ، وأن يكون على درجة عالية من العلم والكفاءة المهنية من خلال الممارسة العملية ، وأن يكون ملما بقواعد الادارة العلمية وما طرأ عليها من تطور مهنى وتكنولوجى .. وأن يكون تعامله مع من يقودهم باحترافية مهنية وتجرد تام من الأهواء الشخصية ، فيكتسب ثقتهم وتعاونهم .. وأن يشركهم فى وضع الأهداف وطرق تحقيقها ، وأن يهتم بحمايتهم وتنمية قدراتهم وتوفير الجو الصحى المناسب لعملهم ، والاهتمام حتى بمشاكلهم الخاصة داخل وخارج العمل فى حدود الممكن .. وأن يأخذ فى الاعتبار تنمية العلاقات الاجتماعية الحميمة بينهم كأسرة واحدة وليس الأخذ بمبدأ فرق تسد .. فتتحقق بذلك الراحة النفسية التى تؤدى منطقيا الى الولاء وزيادة الانتاجية وهى قواعد علمية لا مجال فيها للاجتهاد ..
أيها القائد .. لا تدع من حولك يغلقون عينيك ، ويصمون أذنيك ، يغلقون عليك الأبواب ، ويقطعون التواصل بينك وبين رعيتك .. ويسعون فى الأرض فسادا وظلما على حسابك .. فأنت المسئول الأول أمام الله .. وليسوا هم ، وسيفرون منك يومئذن .. ولا توهم نفسك بغير ذلك ..

أبناء ... يعلمون الآباء !!!


أبناء ...... يعلمون الآباء !!!


لعبت الحالة النفسية فى مرحلة ما من حياتى الى جانب الصحبة السيئة دورا فى اتباعى لعادة التدخين السيئة ، ومن حينها ظلت السيجارة تلازمنى على مدى اثنين وعشرين عاما دون توقف أو محاولة البعد عنها ولو ليوم واحد ..
وفى أحد الأيام – وكنت أستعد لآداء فريضة الحج – كنت جالسا مع أسرتى ذات مساء ، عندما همس نجلى الصغير البالغ من العمر تسع سنوات وقتئذ فى أذن والدته ببعض الكلمات ، فأشارت اليه بالتحدث الى مباشرة ، فأستجمع شجاعته بعد تردد قائلا " هل تسمح لى ياأبى بأن أقول لك شيئا دون أن تغضب منى ؟ " فأجبته بالموافقة ، فأستطرد قائلا " لقد شاهدت فى التليفزيون اعلانات وأناس يقولون أن التدخين يسبب أمراضا خطيرة تؤدى الى الموت .. ونحن نريدك أن تعيش معنا ولا نفقدك لأننا نحبك ..
كانت هذه الكلمات صادرة عن براءة متناهية ، وصدق بالغ ، وعاطفة لا تعرف المجاملة ، وهو ما أصابنى بالحرج ، وحرك فى نفسى المشاعر العاطفية والانسانية تجاه أولادى وأسرتى ، فلماذا أخيب رجاءهم وقد منحونى هذا الحب ؟؟
فما كان منى الا أن وعدت نجلى بأن أستجيب لطلبه ، ورجوته أن يمهلنى بعض الوقت حتى أسافر لآداء فريضة الحج ، ووعدته بأن أعود وقد توقفت عن هذه العادة السيئة .. وما أن أرتديت ملابس الاحرام ، حتى استبدلت علبة السجائر بالمصحف الشريف ، وأستعنت بالله الذى استجاب لرجائى ، ورزقنى كرها شديدا لمجرد رائحة السجائر ، وانتابتنى دهشة ممن يدخنون ، ولماذا يدمرون صحتهم بأيديهم ؟؟
وبعد أن كنت واحدا منهم على مدى أثنين وعشرين عاما ، أصبحت لا أطيق الاقتراب منهم ، أو أن أتأذى برائحة سجائرهم حتى يومنا هذا ... فشكرا لله ، وشكرا لك ياأبنى على ما نفعتنى به من النصيحة المخلصة ، وأدعو الله أن ينفع كل مدخن بهذه النصيحة البريئة ......

وولد صالح يدعو له ...


.......... وولد صالح يدعو له ..

قام الأب مبكرا وأيقظ ابنه الصبى ، وأصطحبه تحت جنح الظلام متسللا الى مزرعة فى مكان متطرف من القرية ، وقال له " قف هنا يا ولدى على الطريق ، فاذا رأيت أحدا قادما ، فأخبرنى قبل أن يرانا ..
تسلل الأب الى المزرعة ليسرق بعض الثمار ويضعها فى كيس كان بصحبته .. وما أن مر بعض الوقت على ذلك ، حتى سمع ابنه يناديه " يا أبى .. يا أبى .. هناك من يرانا " فأنزعج الأب وخرج مهرولا خائفا .. ثم سأله " أين هذا الذى يرانا ؟؟
فأجابه الابن " ان الله يرانا .. "
فقال له الأب " صدقت ياولدى .. أستغفر الله العظيم ، ثم ترك ما جمعه من ثمار ، وأصطحب ابنه الى مسجد القرية حيث كان المؤذن يقيم الأذان لصلاة الفجر .. فتوضأ وصلى مع ابنه ، شاكرا الله على مارزقه من ولد صالح يدعو له بعد أن ينقطع عمله فى الدنيا .. ويكون فى أشد الحاجة لدعوة من ابنه الصالح .. رزقنا واياكم الخلف الصالح بأذن الله ..

نظرة الى العالم الثالث ............

التنظيم والادارة ... ونجاح المشروعات

أتاحت لى المصادفة أن ألتقى ببعض رجال الأعمال وممثلى بعض الشركات الكبرى من أوروبا وأمريكا ، وتطرق الحديث فى معظم الأحيان الى أسباب نجاح المشروعات الكبرى ، والقدرة على تحقيق أهدافها .. بل وتحقيق أعلى هامش من الربحية مع تلافى مشاكل الآداء ومعوقات الاستمرارية أو التعرض للفشل .
وتلقيت اجابة واحدة من الجميع مضمونها الاهتمام بالتنظيم والادارة العلمية التى تقوم على وضع الهيكل التنظيمى للمؤسسة بما يتناسب مع حجمها وطبيعة نشاطها والاهداف المطلوب تحقيقها خلال الأعوام الثلاث الأولى على أقل تقدير ، ثم يلى ذلك اختيار المسئول التنفيذى الأول والذى يمثل قمة الهرم التنفيذى عن طريق أحد المكاتب الاستشارية المتخصصة التى تحدد قدراته العلمية والعملية ثم تجرى المقابلات لاختيار الشخص الأمثل المنوط به ادارة هذه المؤسسة .
ثم تأتى الخطوة التالية ، بقيام هذا المسئول بأختيار المستوى التالى من المسئولين – على مسئوليته الشخصية – والذى يقوم بتكليف كل منهم بوضع دليل عمل ونظام واجراءات العمل فى القطاع التابع له ، بل والوصف الوظيفى لكل واحد من موظفى القطاع على مختلف دراجاتهم الوظيفية .. ويعتبر نجاح المسئول فى انجاز هذا التكليف مقياسا لقدراته المهنية ومدى مناسبتها لمهام الوظيفة من عدمه .
ثم يقوم مسئول كل قطاع بالاشتراك مع المسئول التنفيذى الأول بأختيار باقى الجهاز الوظيفى حتى أدنى وظيفة .. ثم تأتى الخطوة الأخيرة من هذه المرحلة ( مرحلة تجهيز المؤسسة للعمل ) .. بشرح دليل واجراءات العمل وكافة النماذج المستخدمة وتدريبهم الكافى على تفاصيل العمل ، ومهام كل قسم أو ادراة وحدود مسئولياتها وتقارير المتابعة المطلوبة منها ، وأخيرا التلقين الجيد لأهداف المؤسسة وكيفية تحقيقها وفقا للبرنامج الزمنى الموضوع .
الخطوات السابقة هى مجرد استعراض مختصر للغاية عن الاجراءات الواجب اتباعها علميا عند انشاء المؤسسات الكبرى قبل بدء النشاط ، أو حتى الاعلان عنه .
لم يكن ما سمعته – كما أسلفت – بالمعلومات الغريبة أو الجديدة التى لا أعلمها ، بل أننا جميعا درسناها فى المرحلة الجامعية ، ولكن للأسف كان بعض الطلبة يعتبرونها مجرد حشو مناهج كما يسميها البعض ، والأغرب أن المتخصصين فى هذا العلم عندما يتحدثون الى أولى الأمر من المسئولين أو بعض رجال الأعمال بما يجب اتباعه من اجراءات قبل بدء النشاط فأنك لا تجد منهم سوى الاستخفاف وعدم الاهتمام بما يعتبرونه مجرد اجراءات بسيطة يمكن استكمالها لاحقا ، المهم تعيين الأقارب والحبايب ، وتأثيث المبنى بأفخر الأثاث ، والحملة الاعلانية الرائعة ، ودعوة أصحاب الجاه والسلطان لحفل الافتتاح .. وبعدين كل شيئ يمكن تدبيره لاحقا ..
اننا بأختصار نقوم بانشاء المبنى أولا ، ثم نضع التصميمات والرسوم والمواصفات الهندسية والخرائط بعد ذلك ، بينما يقوم غيرنا بوضع الرسوم والخرائط الهندسية والمواصفات الفنية الدقيقة ومراجعتها أولا ، ثم اختيار ذوى الكفاءة القادرين على تنفيذ هذه التصميمات قبل الاعلان عن وضع حجر الأثاث للمبنى .. هذا هو الفرق بيننا وبينهم .. ومن الغريب أننا نتساءل دائما عن أسباب نجاحهم ؟

حوار الأصدقاء ...


حوار مع أبنى الشاب ...


طالعتنا جريدة الراية فى عددها رقم 9438 بتاريخ 10/3/2008 فى باب المحليات على صفحتين كاملتين بتحقيقات صحفية ودراسة مفصلة عن مرض الايدز فى قطر .. وشملت الدراسة والتحقيق الصحفى بيانات واحصائيات دقيقة عن الحالات التى تم اكتشافها وترحيلها خارج البلاد ، وتلك الحالات التى مازالت طليقة بيننا والتى بلغت ثلاثمائة حالة كما أشار التحقيق الى أن الحالات المصابة تراوح السن فيها ما بين 18 الى 35 عاما ، أى الشريحة الأساسية من الشباب ، وهم الفئة الأهم فى بناء المجتمعات والدفاع عنها .
وليس غريبا علينا أن يستهدف أعداءنا هذه الفئة لاضعافنا والنيل منا ، مستغلين القصور فى الوعى لدى البعض القليل من الشباب ، ومن هنا كان لابد من توعية وتحذير الشباب من هذا الخطر المدمر بكافة الطرق المتاحة ، ومنه ما نشرته جريدة الراية مشكورة .
ومن وجهة نظرى أن الأمر لا يجب أن ينتهى الى حد النشر ، ثم يقرأ من يقرأ ، ويهمل من يهمل .. بل بجب على كل أب أن يستكمل دوره فى توعية أبنائه بالأسلوب المناسب الذى يقوم على الاقناع بالحكمة ، وليس الارهاب بسلطة الأبوة ، ولا يخفى علينا أن نصيحة الصديق الى صديقه ، والشاب الى الشاب أكثر فاعلية وأشد أثرا من نصائح الأب التقليدية فى كثير من الأحيان .
فتحت الجريدة على الصفحتين المشار اليهما بعاليه ، ووضعت الجريدة فى غرفة ابنى الشاب ، فى مكان بارز ايحاء منى له بضرورة الاطلاع على ما ورد فى هذا الموضوع – علما بأننى عودت أبنائى على التعامل معهم كصديق وليس كأب - وعند حضوره ، تناول الجريدة وجاء الى غاضبا ومعاتبا " ألا تثق فى أخلاقى والتزامى حتى تطلب منى الاطلاع على هذا الموضوع ؟ " ، فأجبته ببساطة ودون تردد " بل أثق فى أخلاقك والتزامك ، ولا أشك لحظة فى ذلك ، فتساءل " اذن لماذا تريدنى أن أقرأ ذلك ؟ " فأجبته لأننى أريد أن أوفر لك قدرا من المعلومات الدقيقة عن خطر يهدد الشباب ، ليكون سلاحا مقنعا معك وأنت تسدى النصيحة والتحذير لأصدقاءك من الشباب الذين قد يحتاجون للنصيحة المخلصة ، ويثقون فيك .. وتفوز أنت بالأجر والثواب عند الله .. لأنك فى هذه الحالة ستكون مثلا للجليس الصالح الذى ورد بحديث الرسول الكريم " صلى الله عليه وسلم " .. وأكدت له أيضا أن كاتب هذه التحقيقات والدراسات وناشرها يثق أيضا فى شباب هذا الوطن ، ويثق فى وعيهم والتزامهم .. ولكن هذا لا يمنع من زيادة الثقافة ، وانارة الطريق أمام الشباب ليهتدوا الى الطريق الصحيح والحلال ، ولا تنس ياصديقى حديث الرسول الكريم " أن الدال على الخير كفاعله " ..
شعرت بملامح الارتياح على وجه ابنى .. ووعدنى بأن يكون الناصح الأمين لمن يحتاج من الأصدقاء .. وانصرف الى غرفته ليقرأ ما نشرته جريدة الراية فى هذا الموضوع ، وشعرت أنا بالسعادة لأننى جندت شابا يدعو أصدقائه من الشباب الى ما فيه صالح المجتمع والوطن .. وهكذا نستثمر ما توفره لنا الصحافة من بحوث وتحقيقات لها قيمتها، كان وراءها جهدا عظيما من المخلصين الذين يسهرون على حماية شبابنا .

عندما تتساقط أوراق الشجر


عندما تتساقط أوراق الشجر ......

خلايا المجتمع فى المراحل السنية المختلفة للانسان ، ما هى الا أفرع فى الشجرة الاجتماعية الكبرى .. فعندما تتكون خلية اجتماعية من الأطفال فى الحى أو فى أولى الخطوات الدراسية بالمدرسة الأولية ، تكون بمثابة النبتة الأولى للفرع بأوراقه الرقيقة الصغيرة النضرة ذات اللون الأخضر الذاهى .. وتمر السنين .. وهى متجاورة على الفرع الذى يحملها ، تونس بعضها بعضا ، فبعض الأوراق تذبل ، والبعض الآخر ينمو ويكبر ، والبعض ينتمى لفرع جديد ينبت لاحقا ويبتعد بها .. وبعد مرحلة من الزمن .. تبدأ الأوراق فى الجفاف ، والتساقط واحدة تلو الأخرى ، فتنظر كل ورقة الى رفيقتها بعد سقوطها حزينة على فراقها .. سائلة نفسها : " ياترى من تكون الورقة التالية ؟؟ " قد يكون دورى ، أو هذه .. وربما تلك .. من يدرى ؟ لا أحد يدرى متى سيكون السقوط للورقة التالية ، سوى خالقها .. الذى خلقها وقدر بقاءها .. الى حين .. ولكن الشيئ الوحيد الذى نعلمه نحن .. ولا شك فيه .. أن كل الأوراق ستسقط ..

ومضات انسانية


ومضات انسانية
كنت جالسا فى حالة استرخاء ، أرنو بين لحظة وأخرى الى سيارتى المعلقة على رافعة الغسيل فى احدى محطات غسيل السيارات ، مستمتعا باحتساء كوبا من الشاى المخصوص الذى أعده لى مشرف العمال باعتبارى أحد الزبائن المميزين للمحطة ، وكان الجو لطيفا مساء يوم الخميس ، ويبدو أن العوامل النفسية التى أشرت اليها كانت فى مجموعها عاملا مساعدا على حالة الاسترخاء فى جو أقرب الى الرومانسية .
اكتشفت فيما بعد .. أن عقارب الساعة فى ذلك الوقت كانت تشير الى السادسة والنصف تقريبا عندما أفقت من استرخائى على أصوات ونداءات صادرة من عمال المغسلة فى اتجاهات مختلفة لم أفهم مضمونها لعدم درايتى باحدى اللغات الآسيوية ، ولكننى شعرت بأن هناك شيئا غير عادى ..
لاحظت بعد ذلك أن العمال يتجهون فى آن واحد الى أحد النوافذ التى يقبع خلفها أحد الصرافين ، وقد وضع أمامه عدد من المغلفات المغلقة التى حوت مبالغ نقدية استنتجت أنها رواتب هؤلاء العمال ، لقد حان موعد صرف الرواتب الشهرية .
سبحان الله .. منذ لحظات كان العمال يتحركون باعياء اسبوع كامل من العمل المتصل ، كانت تبدو عليهم مظاهر الاعياء والتعب ، فقد كان الوقت نهاية اليوم الأخير من هذا الاسبوع ، كانوا مختلفى الجنسية ، وربما الدين واللغة ، بل ومتفاوتى الأعمار ودرجات الأقدمية وبالتالى المستويات الوظيفية والتخصصات .. كانوا مختلفى الطباع ، والظروف الاجتماعية ... الخ ، وبالرغم من تعدد مظاهر الاختلاف ، لكنهم اتفقوا فى شيء واحد فقط ، قد لا تجد فيه اختلافا بين كل مخلوق يسمى انسان .. السعادة التى تقرؤها فى العيون .. دون أن ينطق صاحبها بكلمة واحدة ..
وفجأة .. دب النشاط فى كافة أرجاء المحطة ، وكأن العمال قد بدأوا عملهم فى مستهل يومهم وليس فى نهايته ، تولدت لديهم طاقة غير عادية ، علت وجوههم الابتسامة ، يعملون وأنت تخالهم يرقصون ..
سرحت قليلا متأملا اياهم ، واعترتنى أسئلة عديدة .. هل ستبيت هذه الرواتب فى جيوبهم هذه الليلة .. أم هناك من ينتظرهم ليتقاضى ما عليهم من التزامات مختلفة ؟ كم سيتبقى منها ؟ والى متى ؟ وهل اذا كان بينهم من يستطيع أن يدخر بعضها ليضمها الى مدخراته من الشهور السابقة .. من سينفقها ؟؟
الى هذا الحد شعرت بعدم الارتياح الى الاستطراد فى مزيد من هذه الأسئلة ، ولماذا أحرم نفسى من الاستمتاع بمشاهدة سيمفونية السعادة فى هذه الخلية التى استيقظت من جديد .. وحينها تذكرت شيئا عظيما ، عرفت الحكمة الالهية من ورائها ، عندما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم " اعط الأجير حقه قبل أن يجف عرقه " صدق رسول الله .. ان هذا القول الكريم لم يكن للمسلمين فقط ، ولكنه نزل لكل انسان على الأرض ، ليكون سببا فى سعادته ولو للحظات .. الحمد لله ....

الاثنين، 14 أبريل 2008

رحم الله الرومانسية



رحم الله الرومانسية ......

الرومانسية تعنى المشاعر المرهفة النبيلة التى لا تلوثها المادة سواء كانت بالدولار أو اليورو .. تعنى رقة الاحساس والخيال الجميل الواسع بعيدا عن العراك والصياح ، الرومانسية أن تعيش هائما بين الزهور والجداول والانهار سواء كنت وحيدا أو مع من تحب فى بعض الأحيان ولا تحمل معك هم الساندويتشات وترمس البارد والساخن وصخب الأطفال العفاريت مع الكرة التى يقذفونها فتصتدم بنظارتك وتكسرها وتقضى باقى اليوم مسحوبا أو بعكاز ،
الرومانسية تحملك لتحلق مع البلابل الرقيقة ذات الغناء الرائع فى السماء بعيدا عن البوم والغربان .. وتنقلك من شجرة الى شجرة مع شروق الشمس أو غروبها على أنغام زقزقة العصافير بعيدا عن صياد يتربص بك ليطلق عليك سهما يسقطك أرضا ليتمتع بألمك ويضحك عليك مع أصدقائه الأشرار ،
الرومانسية أن تقضى أجمل أوقات المساء فى الهدوء الجميل وصحبة رقيقة على الأنغام الهادئة العذبة الآتية من عازف الناى الهائم وحيدا على الجانب الآخر من النهر الهادئ .. دون كلمات الازعاج من المتطفلين المتسكعين " أيوه ياعم .. يابختك " أو صيحات بائع متجول يلح عليك باصرار وعناد بل ويكاد يجالسكما " بيبسى .. بيبسى " ،
الرومانسية أن ترى القمر فى الليل مضيئا مبتسما لك وحدك ، يناجيك وتناجيه بسحر ودلال .. دون أن تمر فوق رأسك طائرة حربية تخترق حاجز الصوت فتصم أذنيك ،
الرومانسية أن تحلم بمجرد نظرة من حبيبتك التى تهمس لها بكلمات الحب والشجن والشوق فتهرب بعينيها خجلا منك ، دون أن تجذبك من زراعك بشدة قائلة لك " يالا يابنى نتجوز عرفى .. انت حاتسبللى عينيك ؟ " ،
الرومانسية أن ترافق الحبيبة التى ترتدى أرق الثياب بألوانها الجزابة التى لا تظهر منها سوى الوجه والكفين ممسكة فى يدها وردة حمراء بلون الحب .. بدلا من تلك التى ترتدى الجينز الممزق وهى نصف عارية وبيدها شيشة التفاح التى تنفخ دخانها فى وجهك مصحوبا بضحكاتها العالية التى يسمعها القاصى والدانى ..
الرومانسية أن تسرح بخيالك وقد تزوجت من تحب ، لتعيشا معا ترفرفان فى منزل تفوح فيه أجمل الروائح والبارفانات ، لا تسمع فيه سوى الموسيقى الهادئة ، والأنوار الخافتة ، والهمسات الناعمة ، لا تنظر فيه الى الساعة ولا تعرف كم مضى عليك من الوقت وأنت تجالسها .. وتخالها وهى تستقبلك عند عودتك من الخارج على باب المنزل كالفراشة الرقيقة مرحبة بك بأرق كلمات الحب ، دون أن تفكر فى عودتك حاملا أكياس الخضر والفاكهة فى عز الحر ، وما أن تفتح لك الباب حتى تزكم أنفك برائحة الثوم والبصل وممسكة فى يدها سكينا كبيرا حاميا ملوحة به فى وجهك وقائلة لك " انت جيت يازفت .. ياما جاب الغراب لأمه .. " ،
الرومانسية أن تحلم بجلوسك مع زوجتك فى هدوء تتابعون بحنان نجلكم الوديع وهو يلعب ضاحكا ، دون أن تتخيله باكيا .. فتطلب منك زوجتك أن تجثوا على ركبتيك ويديك ، ثم تضع الولد على ظهرك قائلة له " سوق ياحبيبى الحمار ..
مسكين الرومانسى .. بدأ حياته عصفورا محلقا ومغردا مع البلابل فى السماء ، وانتهى به الواقع على الأرض سائرا على أربع كما ال ..............
رحم الله الرومانسية .. وألهمنا وزوينا الصبر والسلوان ..