الثلاثاء، 23 سبتمبر 2008


عشماوى .. يسلى صيامه !!
( قصة واقعية ) من الحياة ..
عشماوى .. هو ذلك الرجل صاحب الجثة الضخمة ، والشنب العريض المبروم لأعلى ، والعينان القاسيتان التى تشعان شرارا يرهب بهما السجين المحكوم عليه بالاعدام فيجعله يتمنى تنفيذ الحكم هربا من عيناه الجاحظتين ، وعشماوى هو الشخص المنوط به تنفيذ حكم الاعدام الصادر له من المحكمة العليا .
هذا العشماوى لا يقتصر وجوده فقط على السجن ، وانما يمكنك أن تراه فى كل مكان ولكن قد يبدو مختلفا بعض الشيئ ، فبدلا من أن تجده ضخم الجثة ، تجده ضخم السلطة ، وبلا شنب مبروم ، وعيناه تشع رقة وحنانا تدفعانك للارتماء فى أحضانه هائما فى الآمال والأحلام .. حتى تصحو فجأة وقد وضع يداه الناعمتان حول عنقك منفذا حكم الاعدام .
صديقنا " عشماوى " أراد فى اليوم الأول من رمضان أن يسلى صيامه ، كانت الناس من حوله تتبادل التهانى فى حب وتفاؤل بالشهر الكريم ، والكل يتمنى أن يكون هذا الشهر المبارك خير وبركة وسعادة للجميع .. لكن الناس جميعا كانت فى واد ، والحبيب عشماوى فى واد آخر .. فقد انسحب من جموع المهنئين وأخذ جانبا وهو يفكر بعمق .. كيف يسلى صيامه ؟؟ حتى جاءته الفكرة العبقرية ..
أصدر تعليماته بجمع المساجين الأربعة ، وامعانا فى التسلية .. جمع عائلاتهم من خلفهم ، وصاح فيهم .. لقد تقرر تنفيذ حكم الاعدام فيكم الآن .. يالها من صدمة ، أليست هناك فرصة لاستجماع القوى واستقبال الخبر ؟؟ أليس من حقهم أن يودعوا أسرهم ويخبروهم كيف يتصرفون مستقبلا ، أليست هناك فرصة لالتقاط الانفاس ..؟؟ انهار الجميع – المساجين وعائلاتهم واطفالهم – فى بكاء شديد من شدة الصدمة ، وتبدلت ابتسامتهم بقدوم الشهر الكريم فى يومه الأول ، بالبكاء والعويل .. وصاحبنا عشماوى جالسا مسترخيا مبتسم الوجه .. سعيد القلب ، مستمتعا بمشهد غرة رمضان ...
أخذ المساجين وعائلاتهم يتوسلون الحاج عشماوى ، أن يؤجل تنفيذ الحكم بعض الوقت ، وأخذ كل منهم يسوق أسبابه ودوافعه لطلب التأجيل ، وهو ينظر اليهم بوجه جامد ، وابتسامة صفراء .. وقلب يكاد يقفذ من صدره من شدة السعادة والمتعة .. واستمر الحال على ذلك ساعات وساعات ، بين الرجاء والأمل .. واليأس .
تململ الأخ عشماوى فى جلسته ، مستعدلا جسده المترهل .. متثائبا أحيانا ، مدلكا عيناه أحيانا .. مداعبا خصلات شعره الأشعث أحيانا أخرى .. ناظرا الى الضحايا من آن لآخر .. وأخيرا تعطف عليهم بالكلام .. " حسنا .. فلينصرف النساء والأطفال الى بيوتهم .. والمساجين الى سجنهم .. وسوف أنظر فى الأمر ، وقد أوحى بالأمل فى الاستجابة لطلبهم دون تصريح .. أو تأكيد .
عاش السجناء على الأمل .. وحاولوا أن ينقلوا الأمل الى ذويهم ، ولكن الانتظار بين الأمل واليأس صعب ، فاذا نام السجناء هاجمتهم الكوابيس ، واذا استيقظوا ، عاشوا فى حيرة من أمرهم ، تدور فى رؤوسهم ملايين الأسئلة .. هل ؟ متى ؟ لماذا ؟ ............. الخ . وأخينا عشماوى مستمتعا بصيامه وصلاته ، سعيدا بين أولاده بالشهر الكريم ، تاركا وراءه المساكين الذين يتقلبون على جمر النار فى انتظار مصيرهم .. تمر عليهم الدقائق كأنها أيام وشهور .. الساعة متوقفة تماما .. فى انتظار القرار ..
ولما طال الانتظار .. تسرب الأمل الى قلوب المساكين مرة أخرى .. وشعروا أن طول الفترة التى مرت عليهم ، ربما كانت مقدمة لاستيقاظ ضمير الحاج عشماوى فى هذا الشهر الكريم ، وقال بعضهم أنه من المستحيل أن تجتمع القسوة مع شهر الرحمة ، ولا بد أن مع العسر يسرا .. وبدأت النفوس تهدأ شيئا فشيئا ..
وفجأة .. ظهر الأخ عشماوى .. مناديا بأعلى صوته ، فاغرا فاهه الواسع الذى انبعثت منه الرائحة الكريهة .. وعيناه الحمراوان .. وشعره الأغبر ، واذناه الكبيرتان ، وأنفه المنبعج الأحمر الملوث أحضروا المساجين ( عفوا .. المساكين ) ، سوقوهم الى غرفة المشنقة .. حان وقت الاعدام .. لا أمل ولا مفر ولا رجاء .. أشنقوهم بلا رحمة ، فنحن فى رمضان وكل عام وأنتم بخير ...