الاثنين، 15 مارس 2010

الى إبنتى الحبيبة ...


مقدمة :
هذه الرسالة رداً على رسالة لفتاة فقدت أباها .. فرق بينهما الموت ، إنه قدر الله، ولكن ما أثر فيها ، أنها كانت تحبه حباً جماً .. وكان هو أيضاً يحبها ويدللها الى أقصى درجة ، كان الرباط العاطفى بينهما من نوع خاص ، بل نادر فى درجة الحب والتفاهم ..
غيبه الموت وهى فى الغربة .. بعيدة عنه .. لم تملك المسكينة حتى وداعه الأخير فأحست بأن الدنيا قد أظلمت ، وأن العالم إنتهى ، وأن الحياة توقفت بالنسبة لها ، فعاشت حالة من اليأس والإحباط الى حد الإنهيار ..
لها أسرة جميلة من زوج وأبن وإبنة .. لكنها نسيت أن أسرتها فى حاجة إليها ، وأن أطفالها لا يرونها إلا وهى تبكى ، حزينة .. وعاشت فى ظلمة سوداء ، دون أن تشعر بأن ذلك ربما تكون له إنعكاسات نفسية على أطفالها على المدى البعيد ،
ولم تسأل نفسها :
· ما هو الأمل ؟
· ما هو الإيمان بقضاء الله وقدره ؟
· ما هى نهاية الأحزان ؟
· هل سيعيد البكاء والدموع من ذهب عن الدنيا ؟
· أيهما أفضل .. عالم الصراع والعذاب الذى نعيشه ؟ أم عالم الصالحين فى الرفيق الأعلى ؟
فكانت رسالتى هذه .. علها تستيقظ ، علها .. تفيق ، علها تعود الى صوابها ...
***
الى إبنتى الحبيبة ...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قرأت رسالتك التى أرسلتيها إلىّ بالأمس عبر جريدة الراية .. وتأثرت بها كثيراً ..
ورأيت أنه – كما تعودنا – أن أصحح لك بعض المفاهيم التى ربما لم تنتبهى إليها فى غمرة الحزن التى تعيشينها .. ولو أننى أريد منك أن تخرجى نفسك من هذا الحزن لأسباب سأخبرك بها من خلال رسالتى هذه ...

هل تعتقدين أننا إفترقنا ؟؟
بالطبع .. لا . لأن روحى تحوم حولك وأسرتك ، وحول ماما وأخوتك فى كل لحظة ، ولا أغيب عنكم أبدأً .. فأنا الآن أكثر تحرراً من ذى قبل .. فقد كان الجسد يقيد حركة الروح .. أما الآن فأنا معكم جميعا لحظة بلحظة .. ولا نفترق أبداً .. أشعر بك ، أراك ، أطمئن عليك ، أسمع دعواتك لى ، وقراءتك للقرآن من أجلى ..
ولكن إذا كنت تحبينى .. كفاك دمعاً .. وإبتسمى .

لا تتعجبى ياحبيبتى عندما أقول لك إبتسمى .. ولكن الأمر أكثر بساطة مما تظنين ، كفاك أن تتخيلى ما أنا فيه الآن من نعمة وراحة الى جوار الأنبياء والشهداء والصديقين .. تخيلى صحبتى لرسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة الصالحين .. تخيلى أننى أهيم فى عالم بعيد عن الحقد والنفاق والآلام النفسية ، عالم كله حب ومتعة .. وأعيش معكم وبينكم بروحى ، أراكم أكثر من ذى قبل ..

عندما كنت فى عالم الأرض .. كم مرة كنا نتقابل كل عام ؟ كم ساعة كنا نقضيها سوياً مقارنة بعدد ساعات العام كله ؟ كانت ثوان معدودة فى عالم المعاناة .. أما الآن فأنا معكم دائماً ، ومع صحبتى العظيمة التى أخبرتك بها .. والتى يتمناها كل مؤمن على هذه الأرض ..

ألا يستحق ذلك أن تبتسمى لسعادتى ..؟؟ وراحتى ؟؟ أرجوك يا حبيبتى ، أستحلفك بحبك لى ..
إبتسمى حتى ترتاح روحى ...

لقد إحتوت رسالتك على ما أحزننى ..
عندما قلتى أنك ترغبين فى لقائى قريباً .. بما يعنى أنك تلمحين بنهاية الحياة ..
ياحبيبتى ..
هذا مفهوم خاطئ .. فإن أرواحنا تتعانق دائماً .. ولكن ليبقى جسدك حاليا مع أولادك .. وزوجك ،
فهم فى حاجة إليك .. ولا تتمنى الموت – لا قدر الله – ولمن تتركين الملاكين الطاهرين " زينة " و " عمر " .. وهل كنت تحبين أن أتركك أنا وأنت فى عمرهما ..؟؟

إذن عليك أن تتمسكى بالحياة قدر إستطاعتك .. حتى تكملى رسالتك المقدسة فى الحياة .. وتحاولى أن تسعدى زوجك وأولادك .. كما فعلت أنا معكم ..

إبتسمى .. وأنظرى الى المستقبل ، إنجحى فى حياتك ، أدى رسالتك كما أمرنا الله .. فهذا يسعدنى.

وتذكرى دائما أننى معك ، ولم أفارقك ..
ألست معك بالمبادئ التى علمتك إياها ..؟؟؟؟
ألست معك بأسلوب التفكير ؟؟
ألست معك بنصائحى المخلصة ؟؟
ألست معك بالحب الذى علمتك إياه تجاه من حولك ؟؟

حبيبتى ..
المسألة ليست مجرد صورة فوتوغرافية تحتفظين بها فى حقيبة يدك ، أو تعليقيها على الحائط لتنظرى إليها من آن لآخر .. وإلا نكون قد رجعنا الى الأحاسيس المادية التى لا ترتقى الى الروحانيات الراقية ..

فصورتى .. لن تريها إلا أخرجتيها من محفظتك ..
أو نظرت إليها على الحائط عندما تكونين بالمنزل .. أرأيت .. إنها قيود المادة التى تحررت أنا منها ،

أما إذا أحسست بأن روحى معك .. فى كل لحظة .. فى كل مكان ، أحوم حولك وأنت مستيقظة .. وأنت نائمة كالملائكة .. لا أغيب عنك أبداً .. فأنت قد تنشغلين بعملك ولو لدقائق .. أو تنامين لبعض الوقت .. ولكننى تحررت من هذه القيود .. فلا أنشغل عنك ,, ولا أنام .. أنا معك وأسرتك دائماً ياحبيبتى .. لأننى لا أحتاج الى تأشيرة .. أو تذكرة سفر ..

فأبتسمى من أجلى .. أرجوك ..
وأمنحى الأمل والحب لكل من حولك ..
لتستمر حياتك .. أدى واجبك .. حتى تسعدينى ..

أم أنك تعترضين على مشيئة الله – والعياز بالله ؟؟
قولى دائما " الحمد لله " حتى يمنحك الله الرضا بقضائه ، فأطمئن عليك .. فأنا قريب منك الى أقصى ما تتوقعين .. إننى أشعر بأنفاسك .. ولا تتعجبين ..

فإذا كنت تعتقدين أننا إفترقنا .. فأنت مخطئة ..
إذا كنت تحبين لقائى – بعد عمر طويل – وأن تكونى بصحبتى مع رسول الله .. فعليك بتلبية نصائحى ..

وإبتسمى .. من أجلى .. يا أحب الناس الى قلبى .. أحبك .. أحبك .. أحبك ,,

بابا

ليست هناك تعليقات: